إعداد المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة
في شهر مايو/ أيار عام 2020 كان المشي مسافة ميل واحد تقريباً على ساقها الاصطناعية هو التحدي الذي خاضته ديمة الأكتع للمساهمة بجمع تبرعات لمساعدة اللاجئين في المخيمات في اليونان خلال ذروة انتشار وباء كورونا، وفي غضون عام واحد فقط كبر التحدي ليصبح الجري 21 كيلومتراً لمساعدة أطفال لاجئين في الحصول على أطراف اصطناعية.
لم يكن الأمر سهلاً في المرتين على الشابة السورية التي يبلغ عمرها 27 عاماً، فساقها اليسرى مبتورة من أعلى الركبة، لكنها مع ذلك شعرت بسعادة غامرة.
فعندما شاركت عام 2020 مع منظمة “تشوز لوف”، ضمن مبادرة عالمية للمشي بهدف جمع التبرعات للاجئين، أحست ديمة بأوجاع هائلة بسبب ساقها الاصطناعية غير المؤهلة، وزادت معاناتها من احتباس الدم عند مكان القطع. لكنها رغم ذلك تابعت المشي، لتجتاز أكثر من 2 كيلومتراً، رغم أنها سبق وتعهدت بالسير في منطقتها لميل واحد فقط، ما يعادل حوالي 1.6 كيلومتراً.
في المرة الثانية، كانت متحمسة جداً، رغم أنها اضطرت للتوقف عدة مرات كي تخلع الطرف الاصطناعي الجديد الخاص بالجري، وتجفف العرق الذي يسيل من ساقها، بل واستعانت بقطع من الثلج بعد شعورها بأن الساق الاصطناعية تكاد تفلت من مكانها.
ولم تكن وحدها، صحبتها مجموعة من الأطفال ذوي الأطراف المبتورة، تخيلت أنهم يشاركونها سعادة الجري “الأشبه بالطيران، على تلك الساق الاصطناعية (الشفرة)” كما تقول.
وتضيف ديمة “حين عبرت خط النهاية، كانت مشاعري مرتبكة ومتناقضة. كنت فرحة جداً، فخورة، وحزينة في الوقت نفسه… كنت أركض لأول مرة منذ الحادث، ومن دون تدريب. لكنني فعلت ذلك لأجل الأطفال. أريد أن أجنبهم ما عانيت. كنت غير مصدقة تقريباً. وكأنني في صدمة.
كانت ديمة سابقاً عدّاءة تشارك في سباقات جري ضمن بلدتها في سوريا قبل أن تتغير حياتها. وبينما تغمرها سعادة كبيرة بالعودة إلى ممارسة الرياضة التي تحبها، يبقى جمع التبرعات من أجل عدد كبير من الأطفال الذين خسروا أطرافهم جراء الحرب في سوريا، أولويتها وحافزها الأكبر.
تقول: “أكثر ما يؤلمني أن يُحرم طفل من أبسط حقوقه بممارسة حياته بشكل طبيعي. طفل صغير عمره 5 أو 6 سنوات لا يمكنه أن يفهم لماذا هناك أشياء لا يستطيع القيام بها مثل الباقين؟ أو لماذا يقال له أنت لا يمكنك فعل ذلك لأن ساقاً أو يداً تنقصك؟”
كيف بدأت الحكاية؟
بدأت حكاية ديمة عام 2012، كان عمرها 18 عاماً حين هزّ منزل عائلتها في بلدة سلقين في ريف إدلب صوت انفجار، وخشيت أن تكون قذيفة أصابت الغرفة التي توجد فيها أختها الصغرى، فهرعت للاطمئنان عليها. وكانت أختها بخير، لكن في اللحظة التالية سقطت قذيفة على المنزل، واقتضى الأمر دقائق كي تدرك ديمة أنها فقدت ساقها اليسرى. تدّمر البيت، لكن عائلتها نجت، وهذا هو الأهم بالنسبة لها، كما تقول.
أقرب مستشفى كان على بعد ساعة ونصف. أخذوها في سيارة وهي تظن أنها لن تكمل الطريق حية، وأجروا لها عملية بتر مستعجلة هناك، وبعد أسبوع فقط كان لا بد من مغادرة المستشفى المكتظة.
لاحقاً غادرت ديمة سوريا مع عائلتها إلى لبنان، حيث أصبحت لاجئة بعكازين.
مرت خمس سنوات قبل أن تحصل العائلة عام 2017 على حق اللجوء في بريطانيا، عن طريق برنامج إعادة التوطين الذي أطلقته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وتنتقل إلى بلدة فليتويك في مقاطعة بيدفوردشاير في إنجلترا.
بهذا بدأت مرحلة جديدة من حياة ديمة. لغة غريبة، ومكان غريب، لكنها قررت أن تجعلها بداية مشرقة.
كانت قد حصلت على ساق اصطناعية، وإن لم تكن مثالية. وبعد انتقالها إلى بريطانيا بفترة قصيرة تطوعت في مدرسة للأطفال في منطقتها، وكانت تحكي للتلاميذ قصتها كمثال لما يدرسونه في حصة التاريخ عن الحروب وأثرها على مصائر البشر، وقاد ذلك إلى حصولها على عمل كمشرفة في فترة الغداء بنفس المدرسة.
تدرس ديما التصميم الداخلي في إحدى الكليات. وقد تركت عملها مع الأطفال، الذين تحبهم جداً، بسبب وباء كورونا، كما أجرت عملية أخرى في نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي، أراحتها من الآلام المبرحة، وسمحت لها بارتداء ساقها الاصطناعية لمدة طويلة، وخصوصا إمكانية التدرب بالطرف الاصطناعي الرياضي.
الشغف بالجري ومساعدة الآخرين
تقول ديمة إنها تتدرب أربعة أيام في الأسبوع وحدها، وتذهب مرة أسبوعياً إلى لندن حاملة الطرف الاصطناعي الخاص بالجري على ظهرها، في رحلة تستغرق ساعتين، لتتدرب مع مدرب خاص. وهي تنتظر هذا اليوم بفارغ الصبر.
وتقول: “الشغف بما نفعله يسهل الكثير من الأمور. التدريب مع الطرف الاصطناعي ليس سهلاً، وعليّ بناء الثقة، وكيف تكون حركتي آمنة، كما علي تعلّم أسلوب الجري المناسب لحالتي، والذي له قواعد خاصة، ويجب تدريب العقل عليها، ولكنني أتطور يوماً بعد يوم”.
وحين شاركت في نصف الماراثون بمدينة مانشستر في أغسطس /آب 2021، كانت تلك المرة الأولى التي تركض بعد عشر سنوات، وأول تجربة لها باستخدام الطرف الاصطناعي الرياضي.
لم تكن قد تدربت قبلها، لكن حين تواصلت معها جمعية “سوريات عبر الحدود”، التي تساعد المصابين وتوفر عمليات للأطفال الذين بترت أطرافهم في الحرب السورية، وطلبت منها المشاركة في الجري لجمع تبرعات، وافقت على الفور ومن دون أن تعطي نفسها فرصة للتفكير.
وتقول: “أرجو أن نتمكن من جمع مزيد من التبرعات وتأمين أطراف للأطفال كي يتمكنوا من متابعة حياتهم بشكل أكثر طبيعية.
هدفي إيصال المساعدات لمن يحتاجونها بشدة. وأتمنى أن يستفيدوا منها مهما كان الأمر صغيراً وبسيطاً. بمساعدة بعضنا يمكن بناء مجتمع سلام. هذا يصنع فرقاً في حياة الإنسان على الصعيد النفسي والمعنوي والعملي. تشجيع شخص كي ينجح. يعني لي الكثير، وأشعر أن نجاحه هو نجاحي”.
تحدي الذات يعني لها الكثير أيضاً، وقد أصبح عنوان حياتها التي عليها مواجهتها بطرف اصطناعي كما تقول. حين تضعف قوتها لا تستسلم، “أقول لنفسي لا. وأكمل”، فهي ترى أن تحدي الذات يصنع فرقاً في الحياة، وهذا ما أتاح لها اختبار قوتها في مواقف صعبة، واستيعاب ما يواجهها.
المصدر BBC