لم تكن (شيخة) إلا طفلة عادية تعيش برتابة حياة هادئة كباقي الأطفال، كانت تركن إلى أزهار الحديقة في فناء منزلها في منطقة رائعة ساحرة تحيط بها البساتين التي تنبعث منها أصوات تغريد العصافير تنشد ألحان الحب والحياة اليومية كي تسعد البشر، كانت (شيخة) تحلم بأن تكون عصفورة تحلق مثل عصافير البساتين تنتقل من روض إلى روض تستنشق شذى الأزهار.
(شيخة) التي لم تبلغ من العمر سوى عشر سنوات تبدو دائماً متفائلة دائمة الابتسام، إذا ضحكت تبتسم الحياة لها، ويفرح الجميع مَنْ حولها لصوت ضحكتها الملائكية الرنانة، وإذا جرت حلقت الطيور فوق رأسها تراقصها وتداعبها باهتمام، بقيت (شيخة) تحلم بأن يكون لها جناحان تحلق بهما مثل الطيور، كانت ترسم العصافير وترتدي وشاح والدتها الأبيض، وتضعه على كتفيها لتقلد حركات الطيور وهي تحلق في السماء.
وفي يوم من الأيام طلبت المعلمة من (شيخة) أن تشارك في عرض مسرحي تقوم هي بدور فراشة تمتص الرحيق من الأزهار، فطلبت منها أن تلبس جناحين ملونين قامت بتصميمهما خصيصا لها وتقوم بالدور وتتدرب عليه داخل الفصل، وبعد يوم أو يومين أصبحت (شيخة) كالفراشة تحلق بجناحين ملونين رائعين تلفت الانتباه، تسر الناظرين إليها.
ذات يوم نادتها المعلمة وقالت لها يا حبيبتي لا تنسي أن هناك تنافساً شديداً في تقديم العروض، فيجب عليك أن تتقني دور الفراشة وكوني نشطة محلقة مبتهجة كي تسعدي من يشاهدك خلال العرض. وأضافت المعلمة سوف يحضر الوزير العروض، وسيقدم جائزة لأفضل طفلة أتقنت دورها فكوني أنت الفراشة المتميزة وتدربي جيدا على أداء دورك بإتقان.
بقيت (شيخة) تحلم بالدور وتتدرب عليه، وتكرر الحركات بعفوية مثل ورقة خفيفة رشيقة، تداعبها الرياح فتطير بمنتهى الرشاقة الجاذبة، وكلما شعرت بالإخفاق في ذلك، عادت وكررت حركات الفراشة حين ترفرف حول الأزهار إلى أن تهبط فوقها فتعانقها، وتمتص رحيقها لتلقح أزهارا أخرى، وكانت المعلمة تشجعها، وأمها كذلك حتى تخيل لها أنها أمام فراشة حقيقة، وليست ابنتها البشرية التي ولدتها وتربت على يديها كإنسان، و(شيخة) لا تجلس ولا ترتاح، إلا أن يأتي الليل فتنام.
بقيت هكذا أياما وأيام، صامتة بهدوء رائع، تركز كي ترفرف بجناحيها وترقص وتتحرك من زهرة إلى زهرة على أنغام لحن أعطته لها المعلمة ليقدم خلال العرض المدرسي الأخير نهاية العام.
وحين جاء اليوم الموعود بالعرض المسرحي نهاية العام في المدرسة، بدأ الحفل واجتمع الجمهور، وعج المكان بالمدعوين من أولياء الأمور وكبار القوم من المسؤولين.
بدأت فقرات العرض المسرحي الذي كان يتوج نشاطات مدرستها خلال العام كله، وكانت نهايته العرض النهائي حول الفراشات مع أنغام أغنية ساحرة، رقصت عليها (شيخة) مع زميلاتها، فصفق لها الجميع معربين عن إعجابهم واستمتاعهم بالعرض الرائع، وبما شاهدوه من رقص بريء قدمته (شيخة) وهي تقوم بدور الفراشة النشيطة، وبعد أن أسدل الستار وتم الإعلان عن المتميزين كان اسم (شيخة) أولها، وطلبت منها المعلمة التي دربتها الصعود إلى المنصة مرة ثانية كي يكرمها الوزير وشكرها وقدم لها شهادة تقدير وهدية رمزية على دقة وروعة وجمال أدائها المتميز، لإنها فعلا رقصت كالفراشات في الحقول والبساتين.
وحلقت (شيخة) مرة أخرى بأحلامها وابتهجت وعرفت أنها ستكون يوما ما عضوة في فرقة دبكة متميزة وأنها ستشارك في أية أدوار مستقبلية تسندها إليها المدرسة في كافة الفعاليات وبدأت ترسم خطوط مستقبلها على أنغام رقصة الفراشات الرائعة.
وبعد تسلمها الهدية طارت من الفرح وقالت: أشكر الله على ما منحني إياه من موهبة جعلتني فراشة تحلق نحو دور كبير في المستقبل وأهدي نجاحي إليك يا أمي ويا معلمتي وأشكر كل من شجعني وكرمني لأدائي رقصة الفراشات التي هي بداية لي كي أنجح وأثابر لخدمة الآخرين دون مقابل.