إعداد الاختصاصية الاجتماعية: ميمونة حسين
علم الأوبيديميولوجيا، أو كما يُعرف بالعربية بـ”علم الأوبئة”، هو فرع من فروع العلوم الطبية، يختص بدراسة أنماط انتشار الأمراض، وأسبابها، والعوامل المؤثرة فيها داخل المجتمعات.
يُعد هذا العلم أداة رئيسية في الوقاية من الأمراض وتعزيز الصحة العامة، حيث يزود صانعي القرار الصحيين بالمعلومات الضرورية لتطوير السياسات الصحية الفعالة، كما أن علم الأوبيديميولوجيا لا يعمل في الفراغ، بل هو علم يعتمد بشكل كبير على تداخل المعرفة من تخصصات متعددة. فالأمراض لا تنشأ من أسباب طبية بحتة، بل تتشابك فيها العوامل البيئية، السلوكية، الاقتصادية، الوراثية، وحتى السياسية.
ولهذا، فإن النهج التكاملي في الأوبيديميولوجيا يُعدّ أداة فعالة لفهم الصورة الكاملة للمرض، ووضع حلول عملية وفعّالة، ويتجلى تداخل هذا التخصص مع تخصص علم الاجتماع في استخدم الدراسات الوصفية لتحديد من يصاب وأين ومتى؟ مثل معدلات الإصابة وتوزيع المرض حسب الجنس أو العمر أو المنطقة، بالإضافة لاهتمامه بالدراسات التحليلية التي تهدف لفهم لماذا وكيف يحدث المرض مثل دراسات الحالات والشواهد، والدارسات الجماعية بالإضافة الى الدراسات التجريبية التي تجرى غالباً في ظروف مضبوطة مثل التجارب العشوائية لتقييم فعالية العلاج أو اللقاح، ومن الأمثلة على تطبيق علم الأوبيديميولوجيا:
1.جائحة كوفيد-19 : استخدم علماء الأوبئة نماذج رياضية لتتبع انتشار الفيروس وتقييم الإجراءات الوقائية كما لم يكن من الممكن فهم انتشار الفيروس أو تطوير اللقاحات أو إعداد السياسات الصحية بدون تعاون متخصصين في علم الفيروسات وعلم الاجتماع، والإحصاء، والذكاء الاصطناعي، والاقتصاد، والعلوم السلوكية.
.2.مكافحة التدخين: ساهمت الدراسات الوبائية في إثبات العلاقة بين التدخين وسرطان الرئة.
3.برامج التطعيم: ساعدت البيانات الوبائية في القضاء على أمراض مثل شلل الأطفال في كثير من الدول.
4.دراسة السمنة كجائحة معاصرة: وتشمل التعاون بين علم التغذية، وعلم النفس وعلم الاجتماع، والتسويق، وعلم الاقتصاد السلوكي، لفهم لماذا يأكل الناس أطعمة ضارة، وكيف يمكن تغيير سلوكهم.
5.الأمراض المزمنة في المجتمعات الحضرية: كارتفاع ضغط الدم والسكري، والتي ترتبط بتخطيط المدن، وأنماط الحياة، والسياسات الغذائية، وتحتاج إلى تعاون من اختصاصي الصحة والاختصاصيين الاجتماعيين، والتخطيط المدني، والاقتصاد.
وتكمن أهمية علم الأوبيديميولوجيا في الصحة العامة باعتبار هذا العلم العمود الفقري للسياسات الصحية الناجحة، حيث يساعد في تحديد الأولويات الصحية وتوجيه الموارد الطبية بشكل فعال وتصميم البرامج الوقائية والتعليمية بالإضافة الى الاستجابة السريعة للأوبئة والكوارث الصحية وتصميم سياسات صحية شاملة تراعي الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للسكان وتعزيز العدالة الصحية من خلال فهم الفوارق بين فئات المجتمع وتطوير تدخلات مخصصة.
في الختام علم الأوبيديميولوجيا ليس مجرد فرع من فروع الطب، بل هو علم اجتماعي تطبيقي يدمج بين الطب والإحصاء والسلوك الإنساني. فبدونه، تصبح السياسات الصحية أقرب إلى التخمين منها إلى العلم. إن التوسع في فهم هذا العلم واستخدام أدواته يُعد ضرورة ملحة في عالمنا الحديث لمواجهة التحديات الصحية المتزايدة من خلال عقول متعددة الرؤى لضمان صحة ورفاه الشعوب.
























