لو كنتم فعلاً تهتمون، اذهبوا وتناولوا البيئة المعيقة، وكيف يمكن تحويلها إلى بيئة دامجة تساوي بين الجميع. اذهبوا وارصدوا قرارات الدولة وتأكدوا من اعتماد المعايير الدامجة. اذهبوا وتحققوا من تضمين كل السياسات الوطنية المعايير الدامجة. اذهبوا وارصدوا إن كانت الدولة تخصص الموازنات المطلوبة لتطبيق الدمج والاستجابة لحقوق هذه الفئة من الشعب.
البيئة المعيقة ليست في غياب منحدر هنا ومصعد هناك، بل غياب الخدمات والموارد الدامجة والمهيئة للتعامل مع الجميع وخدمتهم، وهي معيقة عندما لا تكون المعلومات متاحة للوصول بعدة وسائل وعدة طرق للأشخاص حسب حاجاتهم.
نشهد هذه الأيام تنافساً بين محطات التلفزة على تنظيم حلقات خاصة بالأشخاص المعوقين، إن من خلال عرض قصصهم الناجحة لتقديمهم دائماً كأبطال، أو من خلال عرض قصص حزينة عن حال الفقر والحرمان وبالتالي مساعدتهم عبر حملة مالية. فقد تكون النهاية السعيدة بتلقي الشخص المعوق مساعدة هي عبارة عن منزل وراتب شهري. جميل أن نرى حلم أحدهم يتحقق. إلا أن قصص النجاح لا تُظهر العوامل التي توفرت لتمكين الشخص من النجاح.
واللافت أن عدسات الكاميرا تقترب من الوجوه لتري الرأي العام عيون الأشخاص المكفوفين، تماماً مثلما يفعل المصورون في وجود كرسي متحرك، حيث يركزون على الدولاب أكثر من التركيز على الشخص نفسه. كان من الأجدى أن نرى البرامج دامجة وخالية من العوائق وأن نشاهد الأشخاص المعوقين جزءاً من المشهد العام. لذا، لم يتعرف المشاهد على تلك الأمور والمعايير التي تمكن كل فرد من العيش بكرامة في المجتمع. لم تتناول الخلل في المنظومة الاجتماعية التي أدت إلى إقصاء الأشخاص المعوقين وعزلهم.
بين محطة تلفزيونية وأخرى، نشاهد عاطفة وتأثر العاملين في البرامج وحتى الضيوف. ويسجل للجميع هذا الجهد الملحوظ والجريء، لكن في الوقت نفسه، هذه الخطوات وعلى أهميتها لا تخدم المراد، ولا تحدث التغيير المطلوب. فخلاصة هذه العروض حاولت أن تقول للرأي العام إن الأشخاص المعوقين أبطال واستثنائيون، وهذا يكرس النظرة النمطية حول الأشخاص المعوقين والثقافة الخاطئة. كما أن هذه البرامج جعلت البعض يزداد شفقة على هؤلاء أو يزداد إعجاباً بصورة الأبطال.
في المقابل، لا يتم التطرق إلى البيئة “المعيقة” وتظهيرها ليفهم المشاهد معنى التنوع والمعايير الدامجة. فدموع طفل معوق حرم من التعليم بسبب إعاقته لم يتم التوقف عندها بل مرت بسرعة، لم تذهب الكاميرا لترينا النواقص في مبنى المدرسة وفي الجهاز التعليمي، والمنهاج والإدارة التعليمية. (كان من المفيد ذكر الـ 45000 طفل بعمر 5-14 سنة هم حاليا خارج المدرسة). لم نر تجاهل كل ذلك الذي يؤدي لإقصاء فئة كبيرة من الناس بما فيهم الأطفال المعوقون. أما الفتاة المعوقة التي تلقت هدية عبارة عن منزل لم نعرف بالأصل لماذا هي احتاجت إلى المنزل، لماذا لم تدخل مدرسة، لماذا لم تعمل. لم تخرج من بيتها طيلة حياتها إلا إلى الطبيب، لم تتمتع بحياة اجتماعية ولم تعرف ماذا يعني الجلوس بمقهى مع الأصدقاء. وغيرها من النقاط.
للإعلام دور أساسي في التأثير على الرأي العام ونظرته للأشخاص المعوقين، فعندما تنشر صورة أو مصطلح أو رسالة تتضمن الطريقة التي يستعان بالإعاقة فيها لدعم خبر، كل ذلك يسهم في تكوين انطباع لدى الرأي العام وسلوكه تجاه هذه الفئة، وبالتالي فللإعلام دور أساسي في نقل الرأي العام من المعتقدات الوهمية إلى واقع الحقيقة المجردة. هذا الجهد سيكون أفضل وأكثر جدّية لو أن المبادرين اعتمدوا المقاربة الحقوقية، التي تتطلب الالتزام بلغة وصيغة معينة. فالتعاون مع الأشخاص المعوقين في التحضير سيكون مجدياً أكثر لخدمة الدمج والمساواة.
مع تقديرنا الكبير لمحاولاتكم الطيبة هذه، إلا أنّكم لم تفعلوا شيئاً سوى تكريس النموذج الخيري والإحساني. لماذا هذا الإصرار على تقديم الشخص المعوق بهذا المنطق النمطي الموصوم بأفكار خاطئة؟ لماذا تصرون على تقديمنا بصورة الضحية أو الملهم أو القديس أو المخلوق العجيب الذي اكتشف مؤخراً؟
نطالب بالتعاون لتنظيم ورشة عمل تبحث في كيفية الوصول للإعلام الدامج، علماً أننا سبق وطورنا دليلاً لوسائل الإعلام لكيفية التعامل مع الأشخاص المعوقين. المطلوب التعمق في حقوق الأشخاص المعوقين واحترامها. ادرسوا أصول التعامل مع الإعاقة قبل تنظيم البرامج، وادرسوا الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
متابعة حقوقنا مسار وليست ولا يجب ربطها برعاية ممول لمهرجان أو أصحاب نفوذ لديهم مؤسسة. اذهبوا وتعلموا اللغة التي تخاطبون بها الرأي العام عن الأشخاص المعوقين. الإعاقة تندرج في إطار التنوع، والدمج يجب أن يعكس هذا التنوع. والدمج شرعة الحقوق. والحقوق لكل الناس، ما معناه أنه مهما اختلفت الاحتياجات الإنسانية فيجب إدراجها في كل مخطط عام.
نريد إعلاماً يلتزم المقاربة الحقوقية ويعتمد ثقافة الحقوق. نريد إعلاماً يعرف كيف يدافع عن حقوق الناس ويثابر ويلاحق. نريد إعلاماً يصون الكرامات والحقوق ويدافع عنها.
الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركياً
مرصد حقوق الأشخاص المعوقين
سيلفانا اللقيس ناشطة حقوقية في حركة الأشخاص ذوي الإعاقة في لبنان، وفي مجال حقوق الانسان. شغلت منصب رئيسة (اتحاد المقعدين اللبنانيين), لفترة طويلة، (الاتحاد منظمة قاعدية وطنية لبنانية، ومؤخراً باتت عضواً في منظمات الأشخاص ذوي الإعاقة الدولية),. وتشغل حالياً منصب المدير العام التنفيذي للبرامج في (اتحاد المقعدين اللبنانيين),، وتحاول من خلاله أن تلعب دوراً هاماً في تعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في تكافؤ الفرص والدمج الاقتصادي والاجتماعي في لبنان.
تعتبر اللقيس من خلال عملها في (اتحاد المقعدين اللبنانيين), والمجتمع المدني اللبناني، خبيرة في شؤون الإعاقة وحقوق الإنسان على المستوى الوطني والإقليمي، بالإضافة إلى قضايا التنمية الدامجة، والنوع الاجتماعي.
تشكل مرجعاً لمبادرات السياسات التي تعمل عليها العديد من المنظمات المحلية والإقليمية والدولية، سهولة الوصول، المشاركة السياسية، الموازنة والشفافية.
بالإضافة إلى منصبها كمدير عام للبرامج في (اتحاد المقعدين اللبنانيين),، تتولى سيلفانا اللقيس مراكز استشارية لدى العديد من اللجان الوطنية المختلفة، وهي عضو دولي في (منتدى أرباب العمل للأشخاص المعوقين),، وتعمل على حملة دولية ضاغطة من أجل سياسة حماية دامجة لدى (البنك الدولي), من أجل سياسة حمائية دامجة، وهي كذلك عضو ناشط في (الحملة المدنية للإصلاح الانتخابي), في لبنان.