بعض الأشخاص من ذوي الإعاقة فاق إخوانه من غير المعاقين في الابتكار والموهبة والإبداع والتميز فتغلبوا على إعاقتهم ولم يستسلموا لها وكافحوا وحاولوا فوفقهم الله عز وجل للنجاح ينبغي الحذر من بعض العادات والتقاليد لأنها تخالف الشرعة والفطرة.. ومن هذه العادات والتقاليد رفض الزواج من شخص معاق..
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاماً على عبده المصطفى.. وبعد:فإن ظاهرة الإعاقة معروفة منذ زمن طويل. كما أن ظاهرة التزاوج بين الذكور والإناث من ذوي الإعاقة وغير ذوي الإعاقة معلومة تاريخياً. بيد أن هذه الظواهر وفي زماننا الحاضر أخذت منحى جديداً واهتماماً خاصاً. ومن هنا يشرفني تقديم جهدي المتواضع من خلال بعض الوقفات الإرشادية المختصرة حول تلك الظواهر الاجتماعية. آملاً أن يجد فيها القارئ الحبيب الفائدة والتوجيه والله أسأل توفيق المساعي وإنجاح المقاصد. فإلى ثنايا تلك الوقفات.
وقفة اصطلاحيةالإعاقة:
جذرها اللغوي العين والواو والقاف (عوق) أو العين الألف والقاف، (عاق)، ومن معانيها الحجب والمنع، فكأنّ الأعمى ـ مثلاً ـ منع من الإبصار وحجب عن النظر.ولذا فإن الإعاقة لا تعني شكلاً محدداً وإنما تتسع لأشكال كثيرة، فالأعمى شخص معاق عن الإبصار، والأبكم شخص معاق عن الكلام، والأصم شخص معاق عن السماع، والأعور شخص معاق عن اكتمال المنظر، والأعرج شخص معاق عن اكتمال المشي، والأبرص شخص معاق عن حسن الصورة، والأقرع شخص معاق عن شعر الرأس… إلخ.بل إن معاني الإعاقة قد تسري ـ كذلك في نظر القاصر ـ على أمور أخرى، فالجاهل شخص معاق عن المعرفة، والأحمق شخص معاق عن النباهة، والغبي شخص معاق عن التعلم، والكذاب شخص معاق عن الصدق، والنمام شخص معاق عن سلامة الصدر، والبليد شخص معاق عن الفهم… إلخ. ومن ثم فإن الإعاقة مصطلح واسع وليس كما يتوهم بعض الناس أنه مفهوم ضيق محصور في فئات معينة أو حالات محددة.وإذا سألنا المختصين في هذا المجال عن المفهوم الاصطلاحي عندهم لمصطلح الإعاقة أو المعاق، فإنهم يقولون: الإعاقة تعني تعطل أو توقف جزء معين من الإنسان عن القيام بعمل معين؛ (الوظائف الأساسية).ويستوحى من هذا التحديد قصر التعريف على حالات التوقف أو التعطل الإرادي أو غير الإرادي مع التركيز على الإعاقة الجسدية بالدرجة الأولى.ومع تقديري لذلك، إلا أني أشارك مجموعة أخرى من الاجتماعيين أصحاب النظرة الواسعة للظواهر المجتمعية، إذ يفسحون المجال رحباً لكل شكل من أشكال التعطل أو العجز أو القصور أو الضعف.ذلك لأن الإعاقة كلمة واسعة الدلالة، ومصطلح عريض المعاني، ومفهوم عام، حاول بعض الباحثين تحديده وتأطيره في شكل أو زاوية صغيرة دون مستند علمي أو شرعي صحيح..
وقفة شرعية
الشخص المعاق في الشريعة الإسلامية فرد مسلم كامل الأهلية، له كامل الحقوق، وتحتفي الشريعة به أيما حفاوة وترعى شؤونه الخاصة والعامة، وتوفر له المناخ المناسب لكي يعيش حياة مستقرة هانئة.وقد حفلت آيات قرآنية عديدة وأحاديث نبوية شريفة بكثير من الأحكام والضوابط والقواعد للتعامل مع إخواننا ذوي الإعاقة.وما حديث القرآن عن الأعمى كما في سورة (النبأ)، وكذا عن أصحاب الأعذار والمرضى في آيات كثيرة، بحيث لا يلحقهم حرج، إضافة إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأعمى والأقرع والأبرص، مما يؤكد حرص شريعة الإسلام على أصحاب الإعاقات ورعاية شؤونهم. والفقه الإسلامي مليء بالأحكام الفقهية والقواعد الشرعية والضوابط الأصولية الخاصة بكل شكل من أشكال الإعاقة، كما في أحكام الطهارة والصلاة والسفر والصوم والحج.إن شريعتنا السمحة تنظر للمعاق نظرة احترام وتقدير، ومراعاة للأحوال فلا تكلفه ما يشق عليه أو يوقعه في الحرج.
وقفة تراثية
امتداداً لاهتمام الشريعة الإسلامية بإخواننا ذوي الإعاقة وشؤونهم وأحوالهم كان اهتمام علمائنا وفقهائنا كبيراً، فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية رحمها الله، يفسران في كتبهما مباحث عديدة تختص بالمعاقين وحقوقهم.فنجد ابن تيمية رحمه الله تعالى يفصل القول في أصحاب الأعذار وأحكامهم الفقهية المترتبة، وكيفية الوضوء والتيمم للمريض ومن في حكمه.كما أن ابن قيم الجوزية يبيّن كثيراً من أحكام المجزوم والأبرص والأقرع، ويتحدث عمن أصيب في عقله أو رأسه أو عينه أو يده أو رجله، وما يترتب على ذلك من أحكام.ولم يفت على ابن تيمية وابن قيم الجوزية رحمهما الله تعالى أن يناقشا قضايا متنوعة للأشخاص ذوي الإعاقة ومن في حكمهم فيما يتصل بالأحكام الفقهية ذات العلاقة بالصلاة أو الصوم أو السفر ونحو ذلك.
وقفة اجتماعية
إن علم الاجتماع الإسلامي ليس بدعاً من علوم الشريعة، فامتداداً لاهتمام الشرع المطهر والفقه الإسلامي والعلماء المسلمين، كان اهتمام علماء الاجتماع قديماً وحديثاً بفئة الأشخاص ذوي الإعاقة.وساعدهم في ذلك تغير نظرة المجتمعات من نظرة رحمة وشفقة إلى نظرة تقدير وإعجاب خاصة أن بعض الأشخاص ذوي الإعاقة فاق إخوانه في الابتكار والموهبة والإبداع والتميز، فقد تغلب مجموعة من الأشخاص ذوي الإعاقة على إعاقتهم ولم يستسلموا لها، وكافحوا وحاولوا فوفقهم الله عز وجل للنجاح والتألق، فمنهم من حفظ القرآن الكريم في زمن قياسي، ومنهم من أبدع في مجالات علمية، وبعضهم تفرد في حقل الرعاية الاجتماعية، وآخرون ابتكروا وسائل معينة فتحت لزملائهم من ذوي الإعاقة سبل إعانة ومساعدة.إن علماءنا الاجتماعيين مدعوون إلى مزيد من العناية بمثل هؤلاء وغيرهم من المسنين والأرامل والمطلقات والأيتام، كي يكون مجتمعنا مجتمعاً متماسكاً متعاوناً قوياً.
وقفة مؤسسية
إن مؤسسات الرعاية الاجتماعية والدور الخيرية والهيئات الإنسانية في هذا الزمن جيدة، هدفها العام رعاية فئات معينة من المجتمع فكرياً وتربوياً واجتماعياً وإنسانياً. فهناك مؤسسات تعليمية وأخرى اجتماعية، وثالثة خيرية، بل إن هناك نوادي وأنشطة رياضية ومؤسسات ثقافية.وبعض الدول الإسلامية أنشأت وزارات وإدارات مخصصة للشؤون الاجتماعية والرعاية الاجتماعية والتأهيل والتدريب والتعليم لشرائح معينة من المجتمع.وهذه المؤسسات وغيرها تستهدف معالجة أوضاع معينة من أبناء وطننا الكبير، سواء من ناحية التأهيل الصحي أو الرعاية الاجتماعية أو التدريب المهني أو التحصيل الدراسي.وفي خليجنا مؤسسات اجتماعية ودور رعاية ومراكز إنسانية رائعة تشهد بحق أن ولاة الأمر وإخواننا المهتمين قد أولوا المجتمع بكافة شرائحه الاهتمام اللائق به.
وقفة اشكاليةالمشكلة:
عزوف الفتيات عن الزواج من معاق؟
الأسباب: نفسية، داخل كيان الفتاة. حيث تخشى أن يعرف الناس أن زوجها من ذوي الإعاقة، ومن ثم تكون في موقع شفقة ورحمة.وربما كانت أسباباً اجتماعية، داخل كيان المجتمع، حيث ما زالت كثير من الأسر تنظر إلى الشخص من ذوي الإعاقة نظرة خاصة معينة.وقد تكون أسباباً اقتصادية، داخل كيان عش الزوجية، إذ ربما توهمت الفتاة أن زوجها من ذوي الإعاقة غير قادر على إعالة الأسرة مادياً، وقد يكون غير قادر على توفير حياة كريمة وعيشة رضية من الناحية الاقتصادية.وهناك الأسباب العرفية، داخل كيان الأعراف والتقاليد والعادات، إذ درجت كل فتاة أن تحلم بزوج مثالي كامل الأوصاف والخلقة جاهز من الناحية المادية وافر القوى والعقل، حتى ولو كان مخلاً ببعض السلوكيات والآداب.بيد أن هناك بعض الاستثناءات موجودة في الآونة الأخيرة بكثرة تتمثل في زيجات عديدة بين أناس من غير ذوي الإعاقة والمعاقين أو مشتركي إعاقة وكانت حياتهم سعيدة ورزقهم الله سبحانه أولاداً وهيأ لهم دخلاً وعيشة طيبة وفتح لهم ابواب خير وفلاح.
ومن الناحية الشرعية:
فإن من شروط الزواج الرئيسة الرضا والقبول، إلى جانب (الإسلام، الحرية، العقل، البلوغ، الكفاءة …) فإذا قبلت الفتاة الزواج من شخص ذي إعاقة، ففي هذا خير كثير.ولكن إذا رفضت، فذلك لأسباب خاصة، سبق بيان بعضها، والشرع يتيح لها ذلك، ولكن أختي الفاضلة ألا تقبلي به إذا كان قادراً على أمور كثيرة وإن كان من ذوي الإعاقة في بعض الأمور. على سبيل الابتلاء والاختبار واحتساب الأجر من الله، وقد يهيئ الله سبحانه لك خيراً كما يسره لآخرين كثر.واعلمي أن من أنبياء الله عز وجل من كان أعمى، وفي الصحابة رضي الله عليهم أعمى وأقرع وأبرص وأعرج، وسير السلف الصالح لا تخلو من ذلك، ولنا في رسول الله القدوة وفي أصحابه الأسوة. خلاصة:فإن الأطباء أثبتوا أن الإعاقة في العموم لا تمنع من الإنجاب، فكم من شخص ذي إعاقة أو ذات إعاقة رزقهم الله بأولاد غير معاقين.ثم إن الشكل الخارجي ليس مقياساً شرعياً، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن جاءكم من ترضون دينه وأمانته (خلقه) فزوجوه).
وختاماً..
فإني أقدم بعض النصائح والتوجيهات، علها أن تكون وسائل مناسبة لمواجهة تلك الظاهرة وأمثالها:·
أولاً: الرضا بالقضاء والقدر والتسليم به ركن ركين من أركان الدين الإسلامي، ولا بد من الإيمان به والعمل بمقتضاه.·
ثانياً: العادات والتقاليد والأمانة والخلق الحسن مقاييس شرعية ينبغي الأخذ بها عند الرغبة في الزواج وغيره.·
ثالثاً: العادات والتقاليد الاجتماعية ينبغي الحذر من بعضها، لكونها تخالف الشرع وكذا الفطرة، ومن ذلك رفض الزواج من معاق.
رابعاً: الابتلاء والاختبار من الله عز وجل لا يكون إلا لمن اختصهم الله، فيبتلى الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، وقد يكون الزواج من شخص ذي إعاقة ابتلاءً واختباراً من الله لامتحان إيمان الفرد.·
خامساً: ينبغي ألا نكره أمراً من أمور الله سبحانه أو قدراً شرعياً أو مصيبة دنيوية، إذ قد يكون فيها الخير الوفير. والله سبحانه الموفق لكل خير
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
مكان الميلاد: الرياض
تاريخ الميلاد: 1385هـ
المؤهلات العلمية:
الماجستير: ماجستير اقتصاد إسلامي عام 1413هـ.
الدبلوم العالي: دبلوم عالي اقتصاد اسلامي عام 1414هـ.
الدكتوراه: دكتوراة اقتصاد اسلامي عام 1419هـ.
التاريخ الوظيفي:
مدرس مواد تجارية: الثانوية التجارية بالرياض 1/2/1408هـ.
معيد: كلية الشريعة بالرياض 30/6/1408هـ.
محاضر: كلية الشريعة بالرياض 29/12/1413هـ.<
محاضر: عمادة البحث العلمي بالرياض 1/4/1416هـ.
محاضر: كلية العلوم الاجتماعية بالرياض 1/6/1418هـ.
عضو هيئة التدريس: عمادة المركز الجامعي لخدمة المجتمع بالرياض 1/11/1421هـ.
مستشار اقتصادي: معهد البحوث والخدمات الاستشارية بالرياض 15/7/1423هـ.
شارك في العديد من المؤتمرات والندوات والملتقيات وورش العمل
عضو في عدد من الجمعيات العلمية العربية والأجنبية
عضو في عدد من اللجان العلمية
أشرف على عدد من الرسائل العلمية
كاتب متطوع في مجلة المنال
صدر له كتابان في سلسلة كتاب المنال، العاشر؛ مشكلات العصر والإعاقة والسادس عشر؛ رؤى فكرية لقضايا عصرية.