افتتح صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، (الأربعاء 9 ديسمبر 2020) ترافقه الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي رئيس هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق) مبنى (بيت الحكمة)، المشروع الثقافي المبتكر الذي يجسد أحدث نموذج لمكتبات المستقبل في العالم، ويوثق تاريخ نيل إمارة الشارقة لقب العاصمة العالمية للكتاب من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) 2019، إذ يعتبر إرثاً حياً لحصول الشارقة على اللقب الأرفع ثقافياً.
وتجول صاحب السمو حاكم الشارقة في أرجاء المبنى مستهلاً زيارته بالتوقّف عند المكتبة الضخمة التي يحتضنها (بيت الحكمة) والتي ستضم 305 ألف كتاب في مختلف الحقول الثقافية والأدبية والمعرفية منها 11 ألف بلغات مختلفة، ومنها 105 آلاف كتاب ورقي، وما يقرب من 200 ألف كتاب إلكتروني.
واطلع سموه من القائمين على المشروع كيف أن (بيت الحكمة) جسد رؤية سموه في تقديم نموذج للمكتبات يدمجُ بأسلوبٍ مُبتكر بين مفهومي المكتبة والملتقى الاجتماعي والثقافي، ويحوّلها إلى منصة اجتماعيّة للتعلم والمعرفة، تعززها أدوات الابتكار والتقنيات المتطورة، وتوّقف سموه عند المكتبة المنفصلة الخاصة بالأطفال التي تحتوي ما يزيد على 2000 كتاب، ومكتبة قسم اليافعين التي تحتضن نحو 3000 كتاب.
وتفقّد صاحب السمو حاكم الشارقة المرافق والمختبرات التي خصصها (بيت الحكمة) للزوار، حيث تعرف سموه على محطة الخدمة الذاتية (اسبريسو الكتب)، التي تمتاز بقدرتها وسرعتها العالية على طباعة الكتب بفترة قياسية، والتي وفرها بيت الحكمة ليمكّن الزوار من طباعة أي كتاب وتغليفه بتقنيات عالية.
كما زار سموه (مخبر الجزري) الذي جاء اسمه تقديراً للإسهامات العلمية والمعرفية التي قدمها العالم بديع الزمان الجزري (1136-1206 م)، الذي يعد أحد أهم المخترعين في التاريخ، وتعرّف سموه على ما يحتويه المخبر من تقنيات متطورة في الطباعة، وما يشتمل عليه من آلات مثل الطابعات ثلاثية الأبعاد، وقاطع الليزر، إلى جانب آلة التحكم الرقمي الصغيرة (CNC)، التي يتم التحكم بها من خلال جهاز الحاسوب وتمكّن مستخدميها من انتاج مشغولات معقدة الشكل بسهولة، وغيرها من الخيارات التي تجعل منه واحداً من المعامل المبتكرة والمتطورة، لتكون بوابة الأجيال الجديدة للتعرف على تقنيات المستقبل.
وتوقف سموه عند المرافق التي خصصها (بيت الحكمة) للسيدات والأطفال، حيث زار (ديوان السيدات) (قاعة مخصصة للسيدات)، وساحة (القارئ الصغير)، التي تم تصميمها خصيصاً للصغار من عمر 3 وحتى 10 سنوات لتقدم لهم برامج متنوعة باللغتين العربية والانجليزية، وتعرض عليهم مواضيع مختلفة في الابتكار والتكنولوجيا والاستدامة، وفي الوقت ذاته ستقدم للقارئ الصغير مساحة رحبة للتعلّم والقراءة إلى جانب الاستفادة من ورش العمل التي تعقد لتبادل الأفكار وإطلاق العنان لمخيلة الصغار وتحفيزهم نحو التفكير الإبداعي.
واطلع سموه خلال الجولة على معرض الفنان وفاء بلال، الذي يحمل عنوان (168:01) ويقدّم لأول مرة في إمارة الشارقة، ويأتي بمثابة تذكير بالخسارة الثقافية التي حلت بمكتبة كلية الفنون في جامعة بغداد، إذ تعرضت للحرق في العام 2003، وتحوّل أكثر من 70 ألف كتاب إلى رماد.
واستمع سموه لشروحات عن طبيعة معرض (168:01)، الذي يقدم مكتبة ممتلئة بالكتب الفارغة والبيضاء، حيث يدعو المعرض زوّاره لاستبدال الكتب البيضاء بكتب ورقيّة مطبوعة، للعمل على تجديد المكتبات المفقودة في الجامعات والمعاهد العراقية، إذ سيتم اهداء الكتب المتبرّع بها إلى المكتبات الموجودة في كل من جامعة بغداد، والموصل، وبابل، والمتحف الوطني العراقي.
واطلع سموه كذلك على الأعمال التصويرية للفنان وفاء بلال التي جاءت تحت عنوان (سلسلة الرماد) التي يسلط فيها الضوء على مواد أعيد بناؤها من الحطام الذي تسببت به الحرب في العراق، حيث تم جمع (سلسلة الرماد) على مدار عشرة سنوات، وتبين بدقة وتفصيل إعادة البناء من مواد مصغرة عبر الصور الفوتوغرافية.
وفي ختام الجولة تفقد صاحب السمو حاكم الشارقة قاعة الرشيد، المخصصة لاستضافة الفعاليات والندوات والمؤتمرات كما زار سموه أروقة الفناء الخارجي لـ(بيت الحكمة) الذي يضمّ حدائق منسقة تشمل على 331 شجرة تنتمي إلى 12 نوعاً مختلفاً، تطل على نصب (المخطوطة) التذكاري احتفاءً باختيار الشارقة عاصمة عالمية للكتاب لعام 2019 من قبل اليونسكو، وتفضل سموه بالتقاط صورة تذكارية مع فريق عمل بيت الحكمة أمام المبنى في الساحة الخارجية.
تبلغ مساحة بيت الحكمة الذي أقيم بالقرب من المدينة الجامعية على طريق مطار الشارقة الدولي ما يزيد على 12,000 قدم مربع، ويقد بيت الحكمة تجربة جديدة للقراء والباحثين في دولة الإمارات العربية المتحدة والمنطقة، إذ يفتح أبوابه على مئات الآلاف من الكتب والوثائق والمواد المعرفية المحفوظة داخل تحفة معمارية تعتمد في تصميمها على الإضاءة الطبيعية، ويتجوّل فيها الزائر داخل حديقة حية محاطة برفوف الكتب، ويعيش تجربة القراءة في مساحات تفاعلية مفتوحة، ويتنقل في ردهات وقاعات مزودة بأحدث التقنيات الحديثة، يمكنه من خلالها طباعة أي كتاب وتغليفه خلال دقائق معدودة.
ويقدم (بيت الحكمة) مساحة تعليمية ترفيهية ثقافية متكاملة مخصصة لكل فئات المجتمع من الأطفال واليافعين والكبار، فيمنح القُراء والزوار تجربةً مميزة أثناء التجوّل في مرافق (بيت الحكمة) التي تشمل مساحات متعددة الاستخدام، يمكن استضافة معارض فنية فيها، وتقديم عروض مسرحية، وعقد ندوات ومحاضرات واجتماعات وغيرها من الفعاليات، وفي الوقت نفسه تتيح لهم فرصة القراءة في أجواء مقهى ومطعم وساحات خارجية تتوزع فيها أصناف متعددة من الأشجار التي تشمل التين والغاف والنخيل.
ويضم المشروع 15 قاعة وردهة وساحة موزعة على طابقين حملت أسماء (قاعة الرشيد)، و(ميدان الحكمة)، و(معرض المأمون)، و(مكتبة الجرهمي)، و(صالة ابن دريد للقراءة) و(معرض الخوارزمي)، و(مخبر الجزري)، وغيرها من المرافق.
شهد الافتتاح سعادة أحمد بن ركاض العامري رئيس هيئة الشارقة للكتاب وسعادة محمد عبيد الزعابي رئيس دائرة التشريفات والضيافة وسعادة مروان جاسم السركال الرئيس التنفيذي لهيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق)، والدكتور حميد مجول النعيمي مدير جامعة الشارقة ومروة عبيد العقروبي مدير مشروع بيت الحكمة، وعدد من فريق عمل المشروع وفريق عمل شروق.
… ويتفقد سير الأعمال في حصن الذيد التاريخي
وفي اليوم ذاته (الأربعاء 9 ديسمبر 2020) زار صاحب السمو حاكم الشارقة الموقع الإنشائي لحصن الذيد التاريخي بمنطقة الشريعة، الذي يعود تاريخه لأكثر من قرنين من الزمان، حيث تفقد سموه سير أعمال المشروع والمراحل الإنشائية والترميمية التي وصل إليها، حيث كان في استقبال سموه المهندس صلاح بن بطي المهيري المستشار في دائرة التخطيط والمساحة، وعدد من أعيان مدينة الذيد ممن عايشوا حقبة من تاريخ الحصن. واستمع صاحب السمو حاكم الشارقة لشرح مفصل من ابن بطي حول ما تم إنجازه من مشروع ترميم وإنشاء الحصن، حيث اطلع سموه على مجموعة من الصور الفوتوغرافية التي توثق لمبنى الحصن خلال فترات زمنية مختلفة ومن زوايا مختلفة وتظهر ما كان عليه في السابق.
وأوضح صلاح بن بطي لسموه بأن المبنى وحسب الأساسات الأولية، التي تم التنقيب عنها، فإنه يتكون من سور مربع الشكل يربط بين مربعتين طينيتين وبرجين دائريين للمراقبة والحراسة ولأغراض التخزين، ويتكون مبنى الحصن من بوابة ومجلس وغرفة الشيخ وسجن ومطبخ ومخزن حبوب ومدبسة وسكن حراس، بالإضافة إلى غرفة خدمات، وقد مر الحصن في مراحل تطويرية خلال فترات زمنية مختلفة حتى وصل إلى شكله الذي نراه عليه اليوم.
وتابع سموه والحضور فيلماً تسجيلياً، استعرض مراحل بناء الحصن وتاريخه، وما يشكله من أهمية سياسية وأمنية، حيث كان بمثابة حارس لأهم مورد طبيعي لجميع المخلوقات ألا وهو الماء. واطلع صاحب السمو حاكم الشارقة من المهندس صلاح بن بطي المهيري على بعض المخططات التطويرية للمنطقة المحيطة بالحصن، ووجه سموه بأن يتوسع المشروع ليشمل إعادة إحياء المنطقة لتشمل ساحة كبرى للاحتفالات، وترميم مسجد الشريعة، وإحياء الفلج والمزارع، ورفد المنطقة بسوق للتراث الشعبي ومجلس شعبي ومتحف للحياة البرية ومتاحف شخصية، وذلك بهدف تحويل المنطقة إلى وجهة تراثية سياحية اجتماعية، على أن ينجز المشروع خلال عام.
المصدر:
وكالة أنباء الإمارات (وام)