يعدُّ الإرشاد والتوجيه من المصطلحات الواسعة الإنتشار في حياتنا اليومية، إذ يستخدم لدى الكثير من العاملين في تقديم الخدمات المختلفة للأفراد، مثل: الأطباء والمحامين والقضاة والدبلوماسيين والأخصائيين الاجتماعيين والمرشدين النفسيين، والآباء والمعلمين…إلخ.
وهذا المصطلح عدّه كثيرمن علماء النفس فرعاً تطبيقياً من فروع علم النفس، قائماً بذاته منذ منتصف القرن الماضي، له أسسه النظرية، وأهدافه وأدواته، وفنياته وأساليبه التطبيقية التي يستند إليها، إضافة إلى ذلك فهو يتضمن مجموعة العناصر البشرية من المتخصصين أكاديمياً وتطبيقياً يقومون بهذه المهمة لمساعدة الأفراد المحتاجين إليها بطريقة علمية ومدروسة، وبعيدة كل البعد عن الإرشاد «الرعوي» الذي يقدم المساعدة والمساندة النفسية والتربوية والمهنية والأسرية لمن يحتاجون إليها بناءً على خبرتهم الذاتية فقط.
ونتيجة للممارسة العملية في ميادين الحياة المختلفة في هذا المجال أصبح للإرشاد النفسي أشكال وفروع عديدة، مثل: الإرشاد الأسري،إرشاد الكبار، إرشادالصغار، إرشاد ذوي الحاجات الخاصة، إرشاد الأفراد الذين يعانون من سوء التوافق النفسي والاجتماعي والأكاديمي، والإرشاد الزواجي… إلخ.
وبصورة عامة، يسعى الإرشاد النفسي ـ باعتباره علماً وفناً ـ إلى تقديم الخدمة النفسية لأولئك الأفراد الذين يعانون من مشكلات في حياتهم اليومية سواءً كانت نفسية أو انفعالية أو اجتماعية أو أكاديمية، بهدف التغلّب عليها والحدّ من آثارها ونتائجها السلبية، والسعي إلى تحقيق أهداف الفرد الشخصية، ومساعدته على النمو النفسي والإجتماعي والإنفعالي، وعلى اتخاذ القرارات المناسبة لإمكاناته وقدراته وظروفه، للوصول به إلى تحقيق التوافق السليم نفسياً واجتماعياً، والشعور بالرضا عن نفسه وعن الآخرين.
وهذه الخدمة ينبغي أن تقدم من قبل شخص متخصص في مجال الإرشاد أو العلاج النفسي، يملك الكفاءة العلمية والخبرة الإكلينيكية، وهو في واقع الحال لا يقدم نصائحاً، ولا يسعّى لحل المشكلة الحالية التي يعاني منها الفرد (المسترشد) بل مساعدته على التخلص من متاعبه ومشكلاته، وتكوين اتجاهات عقلية سليمة يمكن استثمارها بطريقة إيجابية، للحد من الاضطرابات الإنفعالية التي تعوق تفكيره وسلوكه، وصولاً به إلى تحقيق التوافق الشخصي الداخلي والخارجي.
لقد بات التوسع في تقديم الخدمة النفسية الإرشادية والعلاجية في الآن ـ أكثر من أي وقت مضى ـ في مجتمعاتنا العربية، لكن لم يصحبه أي نشاط مماثل في الإصدارات العلمية والمهنية التي تساند هذه الممارسة وتدعمها، وترسي أركانها، وأصبحت الحاجة ضرورية وجوهرية لتوفير مصادر موثوقة تفتح آفاقاً جديدة أمام الدارسين والمتدربين لتعريفهم بالأساليب الحديثة في الممارسة الإرشادية، وتقدِّيم البرامج الإرشادية بتفصيل واضح من خلال نماذج واقعية تتعرض لبعض المشكلات التي تظهر في الموقف الإرشادي، وتقدم حلولاً لمثل تلك المشكلات.
أما عن كيفية قيام المرشد النفسي بتقديم المساعدة النفسية للأفراد المحتاجين إليها، فإن المنطلق في ذلك يتم عن طريق تشخيص مشكلة المسترشد والتعرّف إليها من جوانبها المختلفة بغية تحديدها وإطلاق تسمية لها ـ إذا كان المرشد من الذين يتبنون التشخيص التصنيفي في الإرشاد.
وعادة يبدأ التشخيص بجمع المعلومات عن الشخص الذي يعاني من الإضطراب من كافة النواحي: الشخصية، والإجتماعية، والعقلية والإنفعالية، والخبرات المؤلمة التي مرّ بها في الماضي وآثارها الباقية حتى هذه اللحظة، ويتم الحصول على ذلك من خلال أدوات جمع المعلومات المعروفة في مجال الإرشاد النفسي، مثل: المقابلة، والملاحظة، ودراسة الحالة دراسة معمقة للكشف عن الأسباب الحقيقية لهذا الإضطراب، وبداية ظهوره، ومساره، والمواقف التي يظهر فيها.
كما أن المرشد النفسي يلجأ إلى وسائل أخرى في سبيل الكشف عن أبعاد المشكلة مستخدماً الإختبارات النفسية والعقلية، كمقياس القلق، الخوف، الإكتئاب، الوساوس المتسلطة واختبارات القدرات العقلية كاختبار بينيه ووكسلر.
وتستخدم في حالات أخرى أيضاً اختبارات إسقاطية، مثل: اختبار تفهم الموضوع واختبار «الرورشاخ»، بهدف دعم افتراضه حول نوع الاضطراب الذي يعاني منه الفرد، وبعد أن تتضح الصورة التشخيصية للإضطراب لدى الفرد، يبدأ المرشد بوضع برنامج إرشادي له بهدف الحد أو التخفيف من آثار الإضطراب أوالأعراض المرضية التي يعانيها، والعودة به إلى درجة مقبولة من التوافق النفسي مع الذات ومع الآخرين بشكل يجعله يشعر بالرضا والسعادة والصحة النفسية في حياته.
وقد جاء هذا الكتاب ليسدَّ فجوة علمية كبيرة في مجال التعريف بالبرامج الإرشادية وخطوات تنفيذها، والإشكاليات التي تثيرها، فقد اطّلع المؤلف على أدبيات البحث في مجال البرامج الإرشادية في البلاد العربية، فلم يجد كتاباً واحداً تناول هذه البرامج نظرياً أو تطبيقياً، وإن حَوَت بُطُون الكتب بعض النماذج الإرشادية المختصرة لبعض المشكلات، إلاّ أنها وضعت بشكل مختصر في كثير من الحالات.
لذلك، جاء هذا الكتاب ليمثل تطبيقاً عملياً لممارسة عملية الإرشاد النفسي لدى المرشد والمعالج النفسي المبتدئ، إضافة إلى هدفه التعليمي، من حيث تزويد المرشدين والباحثين وطلبة الماجستير والدكتوراه ببعض الخبرات العمليّة التي تساعدهم على تقديرالحالة النفسية وقياسها لدى المسترشد، ووضع تشخيص دقيق لها، واستخدام الأسلوب الإرشادي المناسب للتصدي للمشكلة التي يعاني منها.
ويتضمن هذا الكتاب بابيّن، يتألف كل باب من مجموعة فصول: فالفصل الأول تناول بالدراسة والتحليل البرامج الإرشادية ـ مفهومها وأهدافها وأشكالها، وعالج الفصل الثاني الخطوات الرئيسية في بناء البرامج الإرشادية، أما الفصل الثالث فتناول طرائق القياس في العملية الإرشادية، وناقش الفصل الرابع المتطلبات الأساسية في بناء البرامج الإرشادية، أما الفصل الخامس فركّز على الخطوات التنفيذية للبرامج الإرشادية، بينما تضمن الفصل السادس المشكلات التي تثيرها البرامج الإرشادية، وختم الباب الأول بفصل سابع تناول تقييم البرامج الإرشادية.
أما الباب الثاني فتضمن تطبيقات إرشادية في مواجهة بعض المشكلات الإرشادية في المؤسسات التربوية، كالتوتر العضلي، والقلق، والخوف من المدرسة، وتنمية المهارات الإجتماعية وقلق الإمتحان، وفي ضوء ذلك يمكن إيضاح نقطتين مهمتين في مجال تطبيق هذه البرامج من قبل المرشدين النفسيين في المدارس: تتمثل النقطة الأولى في أن البرامج الإرشادية المقدمة في هذا الكتاب تمثل محاولة مختصرة للأسلوب الإرشادي المستخدم في مواجهة تلك المشكلة، حيث يمكن للمرشد المحترف أن يعدَّل في هذا البرنامج ويبدله بما يتفق مع الحالة التي يتناولها بالإرشاد، والنقطة الثانية تتعلق بحقيقة أن الممارسة الإرشادية هي جمع بين العلم والفن، بما يدعونا لتأكيد أن أياً من هذه البرامج الموجودة في هذه الكتاب ليست هي الطريقة المثلى والموصى باستخدامها مع كل المسترشدين، بل بوصفها نموذجاً تعليمياً يستفيد منه المتدرب والممارس آخذاً بعين الاعتبار مشكلة المسترشد وخصائصه النفسية والإجتماعية، ورغبته في الإرشاد، وشدة اضطرابه، وإطاره المرجعي الثقافي الإجتماعي.
وأخيراً أرجو أن أكون قد وفّقت في تقديم هذا العمل المتواضع للمرشدين النفسيين المبتدئين والباحثين وطلبة الماجستير والدكتوراه الذين لديهم رغبة في مساعدة أولئك الذين يعانون مشكلات في حياتهم النفسية، بهدف إزالة كل العوائق التي تعترضهم على المستوى النفسي، وزرع بذور الأمل في نفوسهم لتحقيق التوافق والرضى والصحة النفسية والتي تنعكس إيجابياً على حياتهم الأسرية والمهنية والأكاديمية.
أستاذ العلاج النفسي المساعد في قسم الإرشاد النفسي، جامعة دمشق كلية التربية،
حصل على الدكتوراه في العلاج النفسي في جامعة القاهرة عام 1998.
يشغل حالياً رئيس قسم الإرشاد بكلية التربية بجامعة دمشق،
له العديد من الكتب العلمية في مجال الإرشاد والعلاج النفسي أهمها
- علم النفس المرضي
- العلاج النفسي
- علم النفس الاجتماعي
- علم النفس ومهارات التواصل الإنساني
- مشكلات الأطفال المراهقين
كما له أيضا العديد من البحوث المنشورة في المجلات العربية
- المحكمة. في كتابه الجديد
- سيكولوجية الطفل الرافض للمدرسة
الخوف المرضي من المدرسة), يتناول الدكتور العاسمي مشكلة الخوف من المدرسة: School Phopia وهو أحد مخاوف الطفولة الذي جذب الكثير من الانتباه والاهتمام، ليس لكونه معيقاً لنمو الطفل من الناحية النفسية والاجتماعية والانفعالية فحسب، بل لكونه خوفاً حقيقياً وتجنباً صارماً لا يزول مع مرور الوقت في كثير من الأحيان.