إعداد د. عاليه عباس علي السيد ، اختصاصي تربية خاصة في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية
اللعب لدى الأطفال جزء أساسي من طفولتهم؛ إنه ليس مجرد وسيلة للتسلية، بل أداة قوية للتعلم، وبناء المهارات الاجتماعية، واستكشاف العالم من حولهم. ولكن عندما نتحدث عن الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد، يصبح اللعب أكثر من مجرد نشاط، إنه نافذة لفهم شخصياتهم وعالمهم الخاص.
اقرا ايضا: اضطراب طيف التوحد والعلاج باللعب – ج 1، اضطراب طيف التوحد والعلاج باللعب – ج 2
تخيل طفلًا صغيراً يجلس وحيدًا على الأرض، يمسك بمكعبٍ بلاستيكي يدوّره بين يديه. قد يبدو هذا نشاطاً عادياً، ولكن بالنسبة لطفل من ذوي اضطراب طيف التوحد، يمكن أن يحمل هذا النمط من اللعب أهمية عاطفية أو حسية كبيرة. هؤلاء الأطفال قد يفضلون أنماطاً معينة من اللعب، كالتكرار أو التركيز على تفاصيل دقيقة، وهو ما يعكس طريقة تفكيرهم المختلفة.
اللعب التخيلي، مثل استخدام سيارات اللعب لبناء سيناريوهات، قد يكون تحدياً بالنسبة لهؤلاء الأطفال، إذ يتطلب الكثير من المهارات الاجتماعية والتواصلية التي قد يجدونها صعبة أو غير مريحة. ولكن هنا يظهر الابتكار الحقيقي عندما نوفر بيئة داعمة تكشف عن قدرتهم على الإبداع. على سبيل المثال عندما يلعب طفل من ذوي اضطراب طيف التوحد بمكعبات، قد يكون أكثر اهتماماً بتنظيمها وفق ألوان محددة أو حسب الحجم بدلاً من بناء هيكل، البعض قد ينظر إلى هذا السلوك كأنه “غير طبيعي”، ولكنه في الحقيقة يظهر قدرات مذهلة على الملاحظة، والصبر، والتركيز.
هذه اللحظات الصغيرة يمكن أن تكون بداية لعالم من التواصل بين الطفل وعائلته أو أقرانه.
وفي دراسة أجريت مؤخراً، وجد الباحثون أن اللعب المشترك مع طفل من ذوي اضطراب طيف التوحد مثل مشاركة لعبة أو الانضمام لأنشطته المفضلة يمكن أن يكون جسراً لبناء الثقة والروابط العاطفية. بينما نحاول الدخول إلى عالمهم، علينا أن نتعلم أن نُقدِّرَ مساحتهم الخاصة وأسلوبهم في التعبير.
وتلعب التكنولوجيا دوراً هاماً، فألعاب الفيديو التفاعلية والتطبيقات المصممة خصيصاً للأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد تُعتبر وسيلة فعالة لتعزيز التواصل والتفاعل. ولكنها لا تُغني عن أهمية المشاركة الواقعية، حيث يقوم الوالدان أو الإخوة بمشاركة وقت اللعب ويقدمون لهم تجربة حيَّة تسهم في زيادة تفاعلهم الاجتماعي في المجتمع.
إن اللعب، في جوهره، هو الطريقة التي يتواصل بها الأطفال مع العالم، ومع الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد، يحمل اللعب احتمالات جديدة لفهم أعمق لهم، بكلمات بسيطة نعطيهم المساحة ليعبروا عن أنفسهم، ورؤية الجمال في اختلافهم.
لأن كل لحظة لعب مع هذا الطفل، هي فرصة لنقول له “نحن هنا لنفهمك، ونحبك كما أنت.”
























