اليتيم طفل من بين الأطفال، بيد أنه فقد أباه العائل الذي كان يكفله ويرعاه، ففقد بفقد أبيه الحنان والحب والرعاية، فتغلبت عليه الكآبة والحزن والحرمان.
وما أحوج هذا اليتيم ـ والحالة هذه ـ إلى عناية ورعاية خاصة تأخذ بيده إلى برّ الأمان وتكون له متنفساً يسّري به عن نفسه وما أحوجه إلى عمل حكيم ووصية كريمة تحفظ نفسه ووقته وماله، وتعدّه ليكون رجلاً صالحاً عاملاً نافعاً في الحياة، ناجحاً في معتركها، ليس كلاً على غيره ولا عبئاً على أمته ولا عنصر شر ينفث سمومه في أمثاله من الأطفال.
يقول أستاذنا الشيخ الدكتور نزيه حماد: لقد عُني القرآن الكريم بأمر اليتيم، فحثّ على العناية به وتعّهده بالرعاية الاجتماعية والإحسان إليه والمحافظة على نفسه وماله وزجر عن إهماله وظلمه والإساءة إليه.
يقول عز وجل: (… فأما اليتيم فلا تقهر…) (الضحى 9)، ويقول سبحانه: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده…) (الأنعام 152)، ويقول تعالى: (ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير…) (البقرة 220)، ويقول جل ذكره: (وآتوا اليتامى أموالهم…) (النساء 2).
ووجه هذه الوصايا باليتامى، كما قال الإمام الرازي رحمه الله، لأنهم قد صاروا بحيث لا كافل لهم ولا مشفق عليهم، ففارق حالهم حال من له رحم ماسة عاطفة عليه.
ولأن اليتامى لصغرهم لا يقدرون على الاكتساب ولكونهم يتامى ليس لهم أحد يكتسب لهم، فالطفل الذي مات أبوه قد عدم الكسب والمكاسب وأشرف على الضياع.
وقد أكّدت السنة النبوية تلك الوصايا القرآنية باليتامى، فقد روى البخاري رحمه الله حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات) وعدّ منها عليه السلام أكل مال اليتيم.
قال الرازي رحمه الله في تفسيره: واعلم أنه تعالى قال: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً) (النساء 10)، فقد ذكر سبحانه الأكل والمراد به التصرف، لأن أكل مال اليتيم كما يحرم فكذا سائر التصرفات المهلكة لتلك الأموال محرمة، والدليل عليه أن في المال ما لا يصح أن يؤكل، فثبت أن المراد به التصرف، وإنما ذكر سبحانه الأكل، لأنه معظم ما يقع لأجله التصرف.
وقد روى البخاري رحمه الله حديث رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين) وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى. وكافل اليتيم كما يقول النووي رحمه الله هو القائم بأموره من نفقة وكسوة وتأديب وتربية وغير ذلك. وهذه الفضيلة لمن كفله من مال نفسه أو من مال اليتيم بولاية شرعية.
وهكذا، فلم يقتصر الهدي النبوي على الزجر عن أكل أموال اليتامى ظلماً، وعلى بيان فضل كفالة الأيتام ورعايتهم والشفقة عليهم، بل يتعدى ذلك إلى أمر الأوصياء القائمين على شؤونهم بتنمية أموالهم وتثميرها وإصلاحها، كما في الأثر المروي (مَنْ ولي يتيماً له مال فليتجر به ولا يتركه حتى تأكله الصدقة).
ذلك لأن ترك أموال اليتامى مجمّدة من غير استثمار ينافي مصلحتهم، إذ النفقة وكذا الصدقة يمكن أن تستهلكه حقاً، ولا يخفى أن تصرّف الأولياء في مال الأيتام منوط بمصلحتهم وأنه كما يلزمهم شرعاً رعاية مصلحة الأيتام في أنفسهم بالتربية والتقويم، فإنه يلزمهم أيضاً رعاية أموالهم بتنميتها بالتجارة، ولكن على سبيل الندب أو الإرشاد إلى الأفضل لقوله سبحانه: (ويسألونك عن اليتامى، قل إصلاح لهم خير…) (الآية).
في ختام هذه المقالة المختصرة، أقف لأذكر أهم ما ينبغي التأكيد عليه، ومن ذلك:
- عناية الإسلام بالضعفاء من الناس وإيلاؤهم مزيداً من الاهتمام والرعاية لجبر ضعفهم وحاجتهم إلى العون والمساعدة والإحسان وخاصة الأيتام.
- نصوص الكتاب والسنة حافلة بوصايا الأولياء على الأيتام بالإحسان إليهم ورعايتهم في أنفسهم بالتقويم والتأديب وفي أموالهم بالحفظ والصون والتنمية والاستثمار.
- يلزم الولي على مال اليتيم استثماره لمصلحة اليتيم على سبيل الندب بشرط عدم التغرير به أو تعريضه للمخاطر سواء أكان ذلك عن طريق اتجار الولي له به أو بدفعه للآخرين مضاربة لينمّيه له.
- يجوز إقراض مال اليتيم واستقراضه إذا كان في ذلك حظ اليتيم..
والحمد لله رب العالمين
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
مكان الميلاد: الرياض
تاريخ الميلاد: 1385هـ
المؤهلات العلمية:
الماجستير: ماجستير اقتصاد إسلامي عام 1413هـ.
الدبلوم العالي: دبلوم عالي اقتصاد اسلامي عام 1414هـ.
الدكتوراه: دكتوراة اقتصاد اسلامي عام 1419هـ.
التاريخ الوظيفي:
مدرس مواد تجارية: الثانوية التجارية بالرياض 1/2/1408هـ.
معيد: كلية الشريعة بالرياض 30/6/1408هـ.
محاضر: كلية الشريعة بالرياض 29/12/1413هـ.<
محاضر: عمادة البحث العلمي بالرياض 1/4/1416هـ.
محاضر: كلية العلوم الاجتماعية بالرياض 1/6/1418هـ.
عضو هيئة التدريس: عمادة المركز الجامعي لخدمة المجتمع بالرياض 1/11/1421هـ.
مستشار اقتصادي: معهد البحوث والخدمات الاستشارية بالرياض 15/7/1423هـ.
شارك في العديد من المؤتمرات والندوات والملتقيات وورش العمل
عضو في عدد من الجمعيات العلمية العربية والأجنبية
عضو في عدد من اللجان العلمية
أشرف على عدد من الرسائل العلمية
كاتب متطوع في مجلة المنال
صدر له كتابان في سلسلة كتاب المنال، العاشر؛ مشكلات العصر والإعاقة والسادس عشر؛ رؤى فكرية لقضايا عصرية.