صورة الطفل من ذوي الإعاقة في المشهد التربوي وإعداد الأجيال كيف نعد جيلا يصنع غده؟ وماهي الحاجة إلى ذلك؟
ومن هو هذا الجيل وماهي الوسائط التي قد نعتمدها والوسائل التي يجب أن نوفرها لإعداده؟
وهل من حقنا أن نعد له وفق رؤيتنا الخاصة للعالم؟
ألا يعد ذلك تقييدا لحريته وتدخلا في حقه في تقرير مصيره؟
من خلال هذه هذه السطور أحاول أن أجيب على هذه التساؤلات وغيرها،.. وحسبنا في ذلك إثارة الإشكال والسعي لتقديم صورة أفضل وأنجع للتربية لإعداد مجتمع متجانس يكفل حق جميع الأفراد ويحترم خصوصياتهم البيويولوجية والفيزيولوجية والنفسية.
… فالسؤال عن الكيفية في حد ذاته يطرح مفاهيم متنوعة من قبيل الوسيلة والمنهج والإرادة والتغيير والتحول. وفعل الإعداد ليس أقل تركيباً ولا تعقيداً من مصطلح الكيفية، فالإعداد بناء وتأسيس وتكوين وخلق وإبداع،.. وأن تعد جيلاً معناه أن تفكر وتدرس وتختار وأن تتحمل مسؤولية اختياراتك وقراراتك.
فعل الإعداد لا يمكن أن يكون بحال من الأحوال اعتباطياً أو عبثياً، خاصة ونحن نحاول أن نوفق في عملية الإعداد هذه بين مراعاة حساسية فئات الأشخاص ذوي الإعاقة ومدى أهمية إدماجهم في المشهد التربوي والتثقيفي من جهة، وبين ضرورة مواكبة التطور العلمي والتقني وتسارع نسق الحياة المدنية والاجتماعية من جهة أخرى.
وهنا نعود لنؤكد أن الإنسان يعيش ويتطور مع حاجاته كما رتبها (Maslow) وتلبية هذه الحاجيات أولوية تستدعي حسن التدبير والتخطيط. والتخطيط تلزمه قراءة واقع وتحليل مكوناته وأسبابه ـ نتائجه وآفاقه ـ تشريعاته وتشجيعاته ـ مشاكله وأسباب تعطيله… إضافة إلى طرح الآليات والحلول ويمتد للنتائج المنتظرة من خلال عمل علمي مبني على أمثلة نجاح ملموسة ومنبثقة من الواقع القريب والمعيش، فعملية إعداد جيل منسجم ومتناغم تتطلب ضرورة أن نقترب من كل الفئات ودرسها دراسة عينية نشخص فيها حال كل فئة على حدة ونحاول من ثمة أن نجد أواصر تواصل وتقاطع قوية بين هذه الفئات، ونحاول أن ندعمها ونعمل على توطيدها أكثر. وعلى عكس ما يبدو للبعض أن الشخص من ذوي الإعاقة غير قابل للإدماج والتواصل مع باقي الفئات، فإنه يمكننا الجزم أن الطفل من ذوي الإعاقة إنما يرفض عملية التواصل ويضع بعض الحواجز مع الآخر أحياناً، إلا لكونه يشعر بعدم الأمان وعدم الثقة في هذا الآخر الذي لا يفهم احتياجاته الخصوصية ولا يحاول حتى أن يبذلا جهداً لذلك. فإن تصنع جيلاً متعايشاً ومنسجماً ومتآلفاً، يجب التعامل مع الثروات عامة. وهو ما يدفعنا للتصرف الرشيد والبحث عن السبل والطرق التي تضمن لهم العيش السليم بكرامة وبأمان.
إن صناعة الجيل معناها ببساطة تنفيذ ما هو نظري بطريقة صحيحة علمياً وخاصة يجب أن تفيد المجتمع حالياً فتلبي له حاجاته وتأخذ بعين الاعتبار الإمكانيات المتاحة وتعد للجيل القادم بترك أثر المعلومة وفتح آفاق التطوير للباحثين في المستقبل والتعامل مع كل الشرائح بندية ومساواة وأن تفرض مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص والإمكانات.
أبناؤنا في حاجة للمس الشيء والتعرف عليه حسياً، لأن دعم المعرفة بأكثر ما يمكن من الحواس يضيف مكانتها ويرسخها في الذاكرة أكثر. وأبناؤنا مهما كانت جهاتهم وانتماءاتهم الجغرافية أو العرقية، ومهما كانت حالتهم المدنية والصحية والنفسية، من حقهم جميعا العيش في سلام وبعدالة تحميهم من التفرقة والعصبية والعنصرية والعنف. أبناؤنا من كل الفئات يوم يستشعرون الثقة والأمان والمساواة سيكونون حتماً يداً واحدة وسيجتمعون على العمل ويقدمون حلولاً مميزة ويصنعون أي شيء هم في حاجة له.
ولا ننسى أن الأشخاص من ذوي الإعاقة قد قدموا أمثلة نجاح كثيرة ومميزة أبهرت العالم بمنجزاتها واختراعاتها.
أبناؤنا أمانة في أعناقنا، وعملية تربيتهم قد لا تكون يسيرة وسلسة بالطريقة التي نرجو، ولكن نحن نؤمن أن أصعب المشاكل والعراقيل قد نتجاوزها بالصبر وبوضع اليد في اليد والتكاتف من أجل إعداد جيل يفخر بنا ونفخر به. وهم حتما سيقدرون هذه المجهودات وسيكنون لنا الكثير من الاحترام ويفتخرون بنا أمام الأمم، لأنهم أولاً سيتكونون على قيم التربية الفاضلة والتواضع والاحترام والعرفان بالجميل، وثانياً سيلمسون أمام الشعوب الأخرى مدى أهمية ما وصلوا إليه والفرق بينهم وبين شعوب أخرى لم تكترث بالطفل ولا بقدرات الطفل من ذوي الإعاقة ولم تبصر أهمية التنمية المستدامة ولم تسأل يوماً: (كيف نعد اليوم لجيل يصنع غده… غد أفضل وأرقى وأكثر انسجاماً وتسامحاً وحباً للحياة).
سناء حميدات، أستاذة وباحثة بالجامعة التونسية، متخرجة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس قسم اللغة العربية وآدابها، اختصاص أدب حديث، عضو وحدة الدراسات السردية وتحليل الخطاب بكلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة.
- أعمل حالياً ملحقاً بوزارة الثقافة والمحافظة على التراث، وأكتب بعض المقالات في بعض الصحف والمجلات الأدبية والثقافية في تونس وفي العالم العربي.
- أنجزت عدة أبحاث بعضها نشر وبعضها قيد النشر، ومن أهمها: (نقد نظرية الاستخلاف.. علي عبد الرازق أنموذجاً)، مركزية الهامشي في رواية (موال البيات والنوم) للروائي المصري خيري شلبي، الذاتية والنصوص الموازية، قراءة في عتبات (شرفة العار) للأديب الفلسطيني ابراهيم نصر الله، القصصية وتعدد الأصوات، قراءة في رواية (رأس المحنة) للأديب الجزائري عز الدين جلاوجي، لعبة الحياة والموت في رواية (سيدة المقام) لواسيني الأعرج، قراءة سيميائية في نعي جمال الغيطاني،.. وغيرها من المقالات التي حاولت فيها تقديم قراءات لبعض النصوص السردية وخاصة منها الروايات التي لها وزن بارز في الساحة النقدية العربية عموماً والتونسية خصوصاً.
- أجريت جملة من الحوارات مع كبار الأدباء والمثقفين العرب وذلك في إطار سعيي لتقديم رؤية للعالم وللأدب انطلاقاً من عيون الأدباء وكبار الكتاب والمفكرين. ومن هذه الحوارات حوار مع الأديب المصري خيري شلبي وكان آخر حوار أجراه قبيل وفاته، حوار مع الأديب المصري الكبير جمال الغيطاني، حوار مع الأديب والروائي السوداني أمير تاج السر، حوار مع الروائي الكويتي سعود السنعوسي، حوار مع الدكتور مهدي مبروك وزير الثقافة السابق في تونس والرئيس الحالي للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات فرع تونس، حوار مع الأديبة والباحثة الفلسطينية سحر خليفة. وتواصلت مع الأديب الكبير ابراهيم نصر الله وقد أبدى موافقته على إجراء حوار، إلى جانب الأديب الجزائري واسيني الأعرج والسعودي عبده خال والأديب الليبي محمد الأصفر والمغربي محمد برادة.
- أجري أيضاً مجموعة من الأبحاث آمل أن ترى النور قريباً، منها صورة الأعمى في الشعر الحديث ومكانة المرأة في أدب المهجر، إضافة إلى اهتمامي ببعض المسائل التربوية والثقافية مثل مسألة إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة والفئات المهمشة والمستضعفة في المشهد الثقافي العربي.