يُحكى أنّ أعرابيّا يدعى (الكُسعي) كان يهوى صيد الظباء، وبينما كان يرعى إبلاً له أبصر غصناً في صخرة، فقال: ينبغي أن يكون هذا الغصن قوساً ليس له مثيل، فتعهده برعايته، وصنع منه القوس، ورأى ظباء ذات مساء، فرماها بسهم منه، واخترقها وأحدث شرراً في الجبل، فظن أنه فشل في رميه، ثم مر به قطيع آخر، ورماه، ونفذ السهم منه إلى الجبل أيضاً، وظن أنه فشل مرة أخرى، وحاول مرة ثالثة، وحدث له ما حدث في السابق، وغضب وأخذ قوسه، وكسرها، ولما أصبح وجد ثلاثة من الظباء مطروحة، وأسهمه لقوّتها اخترقت الظباء، وعلقت بالجبل، فندم على كسره للقوس وأنشأ يقول:
ندمت ندامة لو أن نفسي.. تطاوعني إذاً لقطعت خمسي
تبيّن لي سفاه الرأي منّي.. لعمر أبيك حين كسرت قوسي
ويعني بـ (خمسه) أصابع يده الواحدة، وصارت ندامة الكسعي مضرب الأمثال، فمن منّا لم يكسر قوسه، ويعضّ أصابعه، ويندم (ندامة الكسعيّ) كما فعل الفرزدق الذي طلّق زوجته (نوار)، ثمّ ندم، فقال:
ندمت ندامة الكسعيّ لمّا غدت منّي مطلقة نوار
ولم يكن الفرزدق هو الوحيد الذي حصل على إقامة دائمة في مدائن الندم، فمعه الكثيرون الذين يشاركونه عض ّ أصابع الندم، مثلما فعل الكسعيّ، وكثيراً ما كان يستوقفني عند دراستنا شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك، قول الشاعر وبالأخصّ الشطر الأوّل من البيت، ولم أهتمّ بالشاهد النحوي:
ندم الغداة ولات ساعة مندم والبغي مرتع مبتغيه وخيم
والندم يكون قرينا بالشعور بالذنب، إذ يداهم الإنسان بعد كل حالة اخفاق، وهو اضطراب نفسي، يوصل للإكتئاب حسب علماء النفس، رافق الإنسان منذ وجوده على الأرض، وفي (ملحمة جلجامش) إشارة إلى شعور (أنكيدو) بالندم على مغادرته الغابة، عندما كان يسرح مع الحيوانات، فتذكّر باب الغابة الذي يرمز إلى العتبة التي أطلّ من خلفها على الحضارة، فوعى وجوده، وعرف الشقاء البشري الناتج عن الوعي، والمعرفة، فقال مخاطبا ذلك الباب:
(أيّها الباب
لو كنت أعرف أنّ هذا ما سيحلّ بي
إذن رفعت فأسي وحطّمتك)
ولكن كان الوقت قد مضى.. ولم ينفع الندم، فلم يكن انكيدو يستطيع العودة للغابة ليعيش كما كان في سابق عهده، ولم يكن سعيداً بما جرى له، ولكنّ (لو) من عمل الشيطان، كما جاء في الأثر، ولا جدوى منه، سوى الإحساس بالمرارة، فحياتنا مليئة بالمطبّات، وسلسلة الندم لا تنتهي، فهو يختلف من شخص لآخر، فقد يكون يندم على علاقات إنسانيّة، امتصّت الكثير من وقته، وأعصابه، ثمّ اختفت في زحام الأيّام، وقد يندم على سنوات أهدرها في مطاردة الأوهام، وعلى قرارات اتّخذها دون دراسة كافية. وقد فاجأني تصريح للكاتب الراحل جمال الغيطاني يعلن به ندمه على مزاولته العمل بالصحافة الثقافيّة، وهو أمر استغربته من كاتب كان يعشق العمل الصحفي، وظلّ كاتب (الزيني بركات)، و(التجليات)، و(نثار المحو)، يمارسه مراسلاً، وصحفيّاً، وأنهى مشواره رئيساً لتحرير(أخبار الأدب)، حتى إحالته على التقاعد، لكنّه لم يتردّد في القول: (أنا نادم جداً على عملي في الصحافة الثقافية، ونصيحتي لأي أديب مبدع ألّا يعمل بالصحافة الثقافية).
حينها عرفتُ مدى المرارة التي يشعرُ بها من يشتغل في وسائل الإعلام، وبخاصّة حين يعمل مع المثقفين الذين إرضاؤهم غاية لا تدرك، وحساسيّتهم عالية، إلى جانب شعور البعض منهم بالأفضليّة، ومع علمنا بكلّ هذا، نواصل عملنا، مع وضع هامش لخسائر الكثير من الصداقات، وتعب الأعصاب، واشغال البال، وتعكير المزاج، من حيث أنّ لكلّ مهنة منغّصاتها، وكون رجل الإعلام يعمل في الواجهة، وفي تماس مع الناس، لذا من الطبيعي أن يخسر صداقات، ويربح عداوات مجّانيّة، قد تبنى على سوء الظن!، وفي هذه الحالة لا مبرّر لكسر قوس المهنة، كما فعل (الكسعي)، ثمّ يعضّ أصابع الندم العشرين!
مواليد بغداد 10 أبريل 1961
بكالوريوس آداب لغة عربية من جامعة بغداد 1986
عمل في الصحافة الثقافية وفي التعليم الثانوي
شارك في عدة مهرجانات شعرية من بينها: مهرجان المربد، ملتقى الفينيق، مهرجان بغداد المسرحي، المهرجان العالمي الثامن لمسرح المضطهدين 1997 في تورنتو من خلال نص مسرحيته (آه أيتها العاصفة) للمخرج كريم جثير، مهرجان المسرح الخليجي السابع في الدوحة، مهرجان الدوحة الأول.
الأعمال:
- إلحاقاً بالموت السابق بغداد 1986
- حداداً على ما تبقى بغداد 1993
- موجز الأخطاء جنيف 1999
- أصابع فاطمة
- جنائز معلقة مسقط 2000
- شمال مدار السرطان دار ألواح بمدريد 2001
- قميص مترع بالغيوم (تحت الطبع)
- كواكب المجموعة الشخصية، القاهرة 2004
- وطن جميل (للأطفال) بغداد 1985
- نجمة الليالي (للأطفال) بغداد 1987
- أمير البيان (إشراف وتقديم) مسقط 2000
- غدا تخرج الحرب للنزهة ـ اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين – صنعاء 2004
- خذ الحكمة من سيدوري -منشورات بابل دمشق 2006
- كأسك يا سقراط (مسرحية شعرية) عرضت في أيام
- الشارقة المسرحية اخراج محمد شيخ زبير 2004 نشرت في دراسات
- مسرحية ـ تونس ع 10 في 1999
- آه أيتها العاصفة (مسرحية) عرضت في صنعاء وتورنتوبكندا صيف 1996 وشتاء 1997 إخراج الفنان كريم جثير، وفي مهرجان المسرح الكويتي للشباب اخراج سلطان خسروه 2004
- البهلوان (مسرحية) عرضت في هولندا ربيع 1997 إخراج الفنان رسول الصغير
- ضجة في منزل باردي (مسرحية)
- الصعاليك يصطادون النجوم (مسرحية)
- ذات صباح معتم (مسرحية)
- حلم في فنجان (مسرحية)