يوجد حالياً أكثر من مليار مدخن في مختلف أنحاء العالم، وإذا استمرت الاتجاهات الحالية، فمن المتوقع أن يرتفع العدد إلى أكثر من مليار ونصف بحلول عام 2025 م.
وليس هناك من يجادل الآن في أن تدخين السجائر يضر بصحة الإنسان على نطاق العالم، فالأمراض المرتبطة بالتدخين مسؤولة بالفعل عن واحدة من كل عشر وفيات بين البالغين على مستوى العالم.
وبحلول عام 2030م ـ ومن الجائز قبل ذلك ـ سوف تكون النسبة بين 1 ـ 6 أو 10 ملايين وفاة في السنة، مما يجعل التدخين أكبر سبب منفرد للوفاة.
يقول برابهات: حتى عهد قريب كانت محنة التدخين من أهم أسباب الأمراض المزمنة والوفاة التي أصبحت تطال سكان البلدان الغنية والفقيرة على السواء.
والأخطر من ذلك أن هذه المحنة تنتقل بسرعة إلى العالم النامي، وبحلول عام 2020 سيكون 7 من كل 10 يموتون بأمراض يسببها التدخين.
إن للتدخين عاقبتين مهمتين على الصحة، الأولى أن المدخن يصبح بسرعة مدمناً على النيكوتين الذي يقلل بعض الناس من خواصه الإدمانية رغم أنها ثابتة وموثقة، والثانية أن التدخين يسبب في النهاية أمراضاً معقدة ومميتة منها سرطان الرئة وأمراض ضيق شرايين القلب وأمراض الجهاز التنفسي.
يقول جوي بيير: ونظراً لأن الفقراء يرجح أن يكونوا مدخنين أكثر من الأغنياء فإن مخاطر الأمراض المرتبطة بالتدخين تهددهم بدرجة أكبر.
وأشد مما سبق ما أكده أكثر من طبيب ومتخصص من أن التدخين يؤثر على صحة غير المدخنين عن طريق الاستنشاق أو الدم أو المخالطة، وأخطر ذلك كله تأثر الأطفال الذين يولدون لأمهات مدخنات.
ووفقاً للنظرية الحديثة في الاقتصاد، فإن المستهلكين هم عادة أفضل من يحكم على كيفية انفاق نقودهم على السلع والخدمات، وعندما يتحمل المستهلكون كل تكاليف أعمالهم ويعرفون كل المخاطر، فإن موارد المجتمع تكون من الناحية النظرية قد خصصت بأقصى كفاءة ممكنة، فهل تنطبق هذه النظرية على التدخين؟!
من الواضح أن المدخنين يجدون منافع التدخين مثل المتعة (المتوهمة) التي يوفرها لهم أو تجنب الآلام (الوهمية) التي تعقب الامتناع عنه، ويوازنون بين هذه المنافع وبين التكاليف التي يتحملونها باختيارهم.
وعند النظر إلى المسألة بهذه الطريقة تكون المنافع التي سيحققونها أكبر من التكاليف، وإلا فإن المدخنين لن يدفعوا ليدخنوا.
بيد أنه يبدو أن خيار التدخين يختلف عن خيار شراء أي سلعة استهلاكية أخرى من ثلاث نواح مهمة:
- هناك دلائل على أن العديد من المدخنين وخاصة في بلدان الدخل المنخفض لا يدركون تماماً المخاطر العالية للمرض والموت الذي يترتب على اختيارهم.
- إن ادمان النيكوتين يبدأ عادة في سن المراهقة أو في مرحلة البلوغ المبكرة، ولا يكون لدى الشباب عادة، حتى عند اعطائهم المعلومات اللازمة الرؤية أو القدرة على اتخاذ قرارات سليمة للابتعاد عن التدخين.
- إن التدخين يفرض تكاليف مالية، وكذا تكاليف أخرى على غير المدخنين، تشمل الإضرار بالصحة والمضايقة والتهيج، نتيجة التعرض لدخان السجائر المنتشر في البيئة.
وتوحي الدراسات الحديثة في البلدان ذات الدخل المرتفع بأن التكلفة الطبية على مدى الحياة هي أعلى قليلاً بالنسبة للمدخنين، إلا أن بعض الباحثين يرون أنه نظراً لأن المدخنين يموتون في سن مبكرة فإن تكلفة الرعاية الصحية مدى الحياة قد لا تكون أكبر، بل من المحتمل أن تكون أقل بالنسبة للمدخنين عنها لغير المدخنين.
لذا، أثار صناع السياسات عدة مخاوف بشأن مكافحة التدخين، من مثل أنها ستتسبب في فقدان دائم للوظائف!!
بيد أن الطلب المتناقص على السجائر لا يعني بالضرورة انخفاضاً في المستوى الكلي للعمالة في أي بلد، والنقود التي كان المدخنون ينفقونها على السجائر يمكن انفاقها على سلع خدمات أخرى تولد وظائف جديدة تحل محل الوظائف التي فقدتها صناعة التبغ.
وقد بيّنت مؤخراً عدة دراسات مستقلة أن أغلب البلدان لن تشهد فقداناً نهائياً للوظائف، وأن القليل منها سيشهد مكاسب صافية إذا ما انخفض استهلاك السجائر.
وهنا نسأل: ما الذي يمكن عمله؟
يقول بيتر هيلر: الواقع إنه ربما تكون زيادة الضرائب على السجائر هي أكثر الوسائل فعالية في منع صغار السن من البدء في التدخين وفي تشجيع من يدخنون بالفعل على التقليل من استهلاكهم أو الامتناع عن ذلك.
إن هذا النوع من التدخل، قد يكون له تأثير على عادات التدخين لدى الصغار والمراهقين، لأنهم أكثر من الكبار استجابة لرفع الأسعار.
والدلائل المستمدة من بلدان من جميع مستويات الدخل تبين أن لزيادة أسعار السجائر أثراً ملموساً في تقليل الطلب على السجائر.
ولذا، يمكن إلى جانب ذلك للحكومات أن تستخدم وسائل أخرى لتقليل الطلب، من مثل:
- المنع الشامل للإعلان عن السجائر أو الترويج لها، وهو يمكن أن يقلل الطلب بحوالي 8% طبقاً لدراسات الاقتصاد القياسي في بلدان الدخل المرتفع.
- الاعلانات المضادة في وسائل الإعلام وإبراز بطاقات التحذير الخاصة بالصحة، والمطبوعات ونشر نتائج الأبحاث المتعلقة بالآثار الصحية للتدخين.
- منع التدخين في المدارس والجامعات وأماكن العمل والطائرات والأماكن والمرافق العامة.
- إلغاء القيود بزيادة الحصول على علاجات الإحلال محل النيكوتين، وتوفير علاجات أخرى للمدخنين الذين يرغبون في الكف عن التدخين واستحداث وحدات ومراكز خاصة للمساعدة على الإقلاع عن التدخين.
ومع ذلك، وللأسف، ففي حين قد تنجح التدخلات لتقليل الطلب، فإن التدابير لتقليل المعروض من السجائر لا تبشر بنفس النتيجة، خاصة في ظل العولمة والانفتاح والحرية واتفاقية الجات.
ذلك أنه إذا كف أحد الموردين عن نشاطه، فإن مورداً بديلاً يجد دافعاً لدخول السوق، وغالباً لن يجد ممانعة من ذلك، بل ربما وجد تشجيعاً قوياً.
وهذا ما حدا بأن يوصي تقرير صدر منذ عهد قريب من البنك الدولي عن اقتصاديات مكافحة التدخين،
أولاً بأن تتبنى الحكومات التي تعتزم اتخاذ اجراءات للحد من انتشار التدخين أسلوباً متعدد الشعب.
وثانياً ينبغي على الوكالات الدولية أن تراجع برامجها الحالية وسياساتها لضمان إعطاء موضوع مكافحة التدخين الأهمية التي يستحقها، ورعاية الأبحاث في أسباب التدخين ونتائجه وتكلفته وفي مردودية التكلفة للتدخل المحلي والاهتمام بموضوعات مكافحة التدخين التي تتخطى حدود الدول، بما في ذلك مساندة الاتفاق الإطاري لمكافحة التدخين الصادر أخيراً عن منظمة الصحة العالمية.
أخيراً أقول إن الخطر الذي يشكله التدخين على الصحة ضخم، ولكن احتمال تقليل الوفيات المرتبطة بالتدخين بسياسات ذات مردودية التكلفة، هي أيضاً ضخمة، ويمكن لعمل متوافق صادق النية قوي الرقابة واضح المعالم مستهدف من الجميع أن يضمن مكاسب صحية واجتماعية واقتصادية كبيرة في القرن الحادي والعشرين.
وقد آن أوان ذلك!..
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
مكان الميلاد: الرياض
تاريخ الميلاد: 1385هـ
المؤهلات العلمية:
الماجستير: ماجستير اقتصاد إسلامي عام 1413هـ.
الدبلوم العالي: دبلوم عالي اقتصاد اسلامي عام 1414هـ.
الدكتوراه: دكتوراة اقتصاد اسلامي عام 1419هـ.
التاريخ الوظيفي:
مدرس مواد تجارية: الثانوية التجارية بالرياض 1/2/1408هـ.
معيد: كلية الشريعة بالرياض 30/6/1408هـ.
محاضر: كلية الشريعة بالرياض 29/12/1413هـ.<
محاضر: عمادة البحث العلمي بالرياض 1/4/1416هـ.
محاضر: كلية العلوم الاجتماعية بالرياض 1/6/1418هـ.
عضو هيئة التدريس: عمادة المركز الجامعي لخدمة المجتمع بالرياض 1/11/1421هـ.
مستشار اقتصادي: معهد البحوث والخدمات الاستشارية بالرياض 15/7/1423هـ.
شارك في العديد من المؤتمرات والندوات والملتقيات وورش العمل
عضو في عدد من الجمعيات العلمية العربية والأجنبية
عضو في عدد من اللجان العلمية
أشرف على عدد من الرسائل العلمية
كاتب متطوع في مجلة المنال
صدر له كتابان في سلسلة كتاب المنال، العاشر؛ مشكلات العصر والإعاقة والسادس عشر؛ رؤى فكرية لقضايا عصرية.