الفيلم الفرنسي (المنبوذون Intouchables) 2011 فيلم درامي ممزوج بمواقف كوميدية، للمخرجين إيريك توليدانو وأوليفير ناكاش، تطغى عليه البساطة بلا تعقيدات نفسية أو صراخ أو لقطات فجة.
يتناول الفيلم موضوع الإعاقة من زاوية البيئة المحيطة بالإنسان، باعتبارها السبب الرئيسي لسعادته أو تعاسته.. إنه يمنحنا الشعور بالدفء الإنساني عندما نرى انسجام افراد المجتمع، الغنى والفقير، المعاق وغير المعاق، الأبيض والأسود، الفرنسي والمهاجر المكتسب الجنسية.
رمزية الجمع والمثنى
الفيلم يركز تحديداً على شخصيتين هما الشخص ذو الإعاقة والشخص الفقير لكن عنوان الفيلم (المنبوذون) جاء بصيغة الجمع وليس المثنى، ليشير لفئة معينة في المجتمع، فئة مرفوضة ينظر إليها المجتمع نظرة سلبية.. لذا فالمثنى الرمزي يحيلنا تلقائياً إلى العنوان الجمعي.
شخصية فيليب
فيليب الشخص المعاق حركياً (يلعب دوره الممثل فرانسوا كلوزيه) رجل ثري، يعيش في مقعد أو سرير لكن حياته تعتمد على الكرسي المتحرك. يحيط به بعض الأشخاص يخدمونه لكن اهتمامهم منصب بما يحصلون عليه لقاء وظائفهم.
ومنذ إصابته بالإعاقة في كل جسده باستثناء رأسه، وهو يعتمد ككل شخص ذي إعاقة أسلوب التكيف، وفيليب وجد طرقه لممارسة نشاط يقترب من نشاط الشخص غير المعاق كتذوق الفنون وسماع الموسيقى وإملاء الرسائل.. ومحاولة التمتع بحياة جيدة كحضور الحفلات والتمتع بطعام المطاعم.
فيليب نفسه وعلى عكس الفهم الشائع ليس خائفاً، وهو لا يعاني في الفيلم من التجاهل، فدائماً يحيط به الآخرون، وفى لحظات وحدته لا نراه ساخطاً أو غاضباً. إنه لا يستجدي شفقتنا أبداً، أما في أعماقه فيبحث عن الصفاء النفسي الكامل لكنه لا يجده. نراه في أحد مشاهد الفيلم يتوقف طويلاً عند لوحة فنية مؤكداً:
– هذه اللوحة تعبر عن صفاء مشبع.. وبعض العنف أيضاً.
في أعماقه حنين إلى الرفقة وشعور بالفقد ناحية زوجته التي ماتت فيقول:
ـ إعاقتي الحقيقية.. ليست ان أكون على كرسي للمعاقين.. بل أن أعيش من دونها.
ورغم الغنى الفاحش الذي يتمتع به نراه متواضعاً بشكل كبير، ومنفتح الذهن للآراء والمقترحات وأفكار غيره عن الحياة.. إنه يمتلك مرونة عقليه رائعة.
شخصية إدريس
اما ادريس (ويلعب دوره الممثل عمر سي) فقد جاء من السنغال طفلاً، وعاش في بيئة فقيرة. اكتسب جنسيته الفرنسية ودخل السجن بسبب السرقة وخرج ليعيش في عالم البطالة واستجداء المعونات الاجتماعية.
إدريس ليس ساخطاً أو غاضباً، بل يتمتع بروح المرح والحيوية، مع مسحة من الحزن نتيجة فقر أسرته وشقاء المرأة التي ربته. هو يعتز بنفسه وحريته واستقلاله. نرى ذلك عندما يطرد ابنة الرجل الذي يعمل عنده من الحجرة التي يقيم فيها، وهي حجرة في القصر وقريبة من حجرة المليونير نفسه.
الابنة تدخل حجرته بلا إذن كما تدخل حجرتها فهي في قصر أبيها، فيطردها مؤكدا على احترام خصوصيته، ثم لا يتوقف عند الطرد بل يشكو لوالدها المليونير ويطلب منه توبيخ ابنته. هذا موقف مدهش حقاً، فكان المرء يتوقع أن البنت ستصفعه أو ستضربه، ثم يطرده المليونير شر طردة أو يلفق له تهمة سرقة. لكن شيئاً من هذا لم يحدث. لقد انسحبت الفتاة بخجل من تصرفها، ثم قام والدها بتوبيخها وطلب منها أن تحترم العاملين عنده.
ورغم جهل ادريس بالإعاقات وعدم اهتمامه في البداية بإعاقة فيليب، وتصرفه بشكل صاخب خلال مقابلة الحصول على وظيفة الرعاية، إلا أنه وجد طريقاً ليجعل فيليب يفارق الإعاقة بشكل أفضل. لقد بدأ بتقديم البهجة، ومنح الشخص المعاق الضحكة والابتسامة، وانتهى الطريق بالرفقة عندما بحث عن المرأة التي راسلها فيليب إلى أن وجدها واستقدمها، ليتزوجها فيليب وينجب منها.
قضايا جوهرية
يتوصل كثيرون بدون فهم للنتيجة الحتمية للإعاقة وهي التعاسة والعجز لكنه فهم غير دقيق. فيليب نفسه المعاق بشكل يجعله يعتمد كلياً على الآخرين حتى في قضاء حاجته بالحمام، هو رجل يشعرنا بمعنى جمال الحياة وأهمية التمتع بها.. إنه بشكل ما ليس عاجزاً. إنه رجل حر من كل قيود تمنعه من التمتع بالحياة.
إدريس الفقير ساعده في هذا التمتع، وضحك الاثنان معا من قلبيهما.. سعادة ارتسمت على وجه الإثنين وغزت قلوبهما.
حقاً إن السعادة البشرية ممكنة حتى مع الإعاقة أو الفقر لكن هناك شروط أهمها التضامن الإنساني. فيليب وحده لن يمنح نفسه البهجة، والأمر ينطبق على ادريس الفقير.
فيليب تمسك بإدريس لسبب بسيط هو أن ادريس لم يمنحه الشعور بالشفقة ولم يشعر بالأسى نحوه كشخص معاق، إنه يريده لأن إدريس لم يعد يناوله الهاتف، فقد نسي أمر إعاقته كلياً، وهو ما لا ينساه الآخرون ولا حتى أقرب الناس إليه. إدريس يعامله كشخص غير معاق وهي القضية الجوهرية لكل شخص معاق.
قضية أخرى جاءت متوارية في الفيلم، هي سعادة المجتمع ورقيه في ذلك الانسجام العميق بين أفراده والحرص العميق على مساندة بعضهم بعضاً. ادريس الفقير المنبوذ نال فعلاً الاحترام وحصل على مكانة لائقة، ثم أصبح مالكاً لشركة وتزوج وأصبح لديه أطفال، وفيليب المنبوذ من الأقرباء بسبب إعاقته، حصل على شيء مختلف: اهتمام ورفقة إنسانية، وأصبح يشعر بأنه إنسان طبيعي وعادي. إنها ليست صورة نمطية لفقراء أو أشخاص ذوو إعاقة بل صورة مختلفة كلياً لمجتمع منشود مستقر ومنسجم نرغب فيه بعمق.
تمثيل ورموز
جاء ظهور الشخصيتين (فيليب ـ ادريس) أغلب الفيلم في اللقطات الخارجية والداخلية، وهما يشغلان حيزاً كبيراً فيها، لتأكيد شعورهما بقيمتهما وإحساسهما بالاعتزاز لا الشعور بالعجز. الإضاءة ساهمت في كشف الشعور بالحزن الذي كان ينتاب ادريس أحياناً سواء عندما يكون وحيداً في المترو أو في السيارة وهو يتطلع بحزن إلى المرأة التي ربته وهي تتعب بتنظيف الزجاج في المكان الذي تعمل فيه. في الحالتين تخفت الإضاءة ويسود الظلام أجزاء من وجهه.
في أحد المشاهد الرائعة، نراه وادريس يدفع كرسيه على الرصيف قبل الفجر بينما السيارات واقفه متراصة بجوار الرصيف، وعلى الجانب الآخر نرى البحر يتلألأ بالأضواء الزرقاء والبيضاء يتخللها اللون الرمادي والأزرق الذي يرمز إلى السلام والانسجام كما يرمز إلى الهدوء النفسي مع حزن داخلي، بينما يمنحنا الأبيض المشاعر القوية من الصفاء والنقاء. أما الاكتئاب والوجع فنراه في اللون الرمادي الذي يتراقص بين اللونين الأزرق والأبيض.
ملاحظة أخيرة عن التمثيل. جاء تمثيل الممثل فرانسوا كلوزيه في دور فيليب محكماً طول الوقت وكات يعبر بوجهه دون أي حركة من جسده.. كان هذا أداء طبيعياً وتلقائياً حتى في لحظات الاكتئاب النادرة التي كانت بسيطة دون مبالغة.
اما الممثل عمر سي في دور ادريس فقد استحق بجدارة جائزة سيزار لأفضل ممثل عن دوره في هذا الفيلم.
سعيد رمضان على، إسكندرية، مصر
عمل في شمال سيناء، زار غزة عدة مرات ثم أقام فيها عدة سنوات وحاليا مقيم في الإسكندرية.
أصيب بالصمم في سن مبكرة، كان من أثره تركه الدراسة المنتظمة، فلم يستكمل تعليمه النظامي، لكنه استمر في الدراسات الحرة.
الأعمال والتكريم
- روح هائمة، رواية، دار نشر ميدلايت 1990، القاهرة.
- الأرض والنهر، مجموعة قصصية، دار نشر ميدلايت 1991، القاهرة.
- السينما المصرية والإعاقة، دراسة 2005، مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- سيناء (الأهمية والمعنى) الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة 2008، القاهرة.
- رواية أمواج ورمال، دار نشر فكرة. 2009، القاهرة.
- مسرحية الانهيارات، دار نشر هفن، 2009، القاهرة.
- السمورة وأنا، سيرة روائية، دار الأدهم للنشر، 2013، القاهرة.
- مقالات نقدية في الأدب والسينما والفن التشكيلي الفلسطيني، نشرت في مجلة الثقافة الجديدة، وعلى عدة مواقع مختلفة.
- كرم من الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر في مؤتمر الإسماعيلية الأدبي عام 1995.
- حصل على شهادات تقدير من المجلس الأعلى للشباب والرياضة بمصر في مركز إعداد القادة بالقاهرة عن أعماله في القصة القصيرة، والمسرح وذلك عامي 1995، 1996.
- كرمته الشيخة جميلة بنت محمد القاسمي مدير عام مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية 2005 في ملتقى المنال عن دراسته (السينما المصرية والإعاقة)
- استضافه المؤتمر العلمي الأول حول قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة بالقاهرة عام 2009.
نقد ودراسات عنه
دراسة عن روايته روح هائمة للناقد محمد قطب نشرت في كتاب مؤتمر إقليم القناة وسيناء الثقافي 1995.
دراسة عن مجموعته القصصية (الأرض والنهر) للناقد الدكتور محمد حسن عبد الله نشرت في كتاب مؤتمر إقليم القناة وسيناء الثقافي عام 1995.
دراسة عن مسرحيته الانهيارات للدكتور نادر عبد الخالق بعنوان البناء والتخطيط في مسرحية الانهيارات نشرت في جريدة الزمان مايو، 2019.
دراسة عن مسرحيته الانهيارات للناقد العراقي صباح الأنباري بعنوان (الانهيارات من بداية السقوط حتى نهاية الهزيمة) نشرت على موقع الناقد على النت.
دراسة في مجموعته الصمت للناقد سيد الوكيل، نشرت في كتاب أبحاث المؤتمر العلمي الأول، هيئة قصور الثقافة 2009، القاهرة.
دراسة عن رواية أمواج ورمال للناقد حاتم عبد الهادي نشرت في نشرة مؤتمر اليوم الواحد بالشرقية.
مقالات نقدية عن بعض قصصه القصيرة للناقد سمير الفيل نشرت بموقع القصة العربية.