كان يعيش بداخله الصمت.. يرفرف حتى يغطى المكان.. المكان الذي أصبح دائما كئيبا.. وكانت كلمات أمه تضيع دائما في العدم
كانت لديه ذاكرة.لم تغلف أبدا بأي ضباب، لكنه عجز عن اى تفكير في المستقبل.كان الوقت حاضرا فقط في لحظته تلك المحملة بمعاناته يمكنه أن يتذكر في أي وقت كل شيء،لعبه مع الأولاد الآخرين هروبه في المساءات للعب تنس الطاولة بالأندية،وأفلام الأبيض والأسود،
والأصوات التي تأتي من الشارع،. وصوت أمه الذي ينادي عليه،. وأبيه الذي اختفى من حياته مبكرا بالهجر، فجأة أصبح كل شيء ماضيا تعب ذات يوم ومرض وعندما استيقظ من مرضه أصبح كل شيء كنفق ليس فيه أي صوت، مجرد الصمت، والسكون الذي لا ينتهي وعندما ينظر إلى أمه كان يعرف أنها تتحدث، وتتحدث وهي تنظر إليه.. لكنه لم يعرف ما تقوله.. معرفته بحديثها لأن فمها كان يتحرك مثلما يتحرك فم الآخرين عندما يتحدثون.. لكنه لم يصدر صوتا، وكان يتعجب.. ويلتفت حوله بدهشة ويسأل:
ماهذا الصمت يا أماه ؟؟
والإجابة الصامتة المغلفة بسكون عجيب تزيد من دهشته وحيرته, وكانت أمه كثيرا ما تنظر اليه ساهمة بنظرات بدت كأنها تتعدى وجوده المادي، نظرات أفكار وأحلام، سرعان ما تتراجع مفسحة المجال لنظرات انكسار, كأحلام موؤدة بطعنات واقع كئيب، ومع تباعد الآخرين، استطاع أن يبنى لنفسه مخبأ خاص، بداخله تماما أصبح وجوده، كقوقعة ، يمكنه أن يحتمي به من اى شيء.. من كلمات الآخرين التي لاتصل اليه، ومن ضحكاتهم بدون صوت، ومن نظارتهم الفاحصة اليه، كأنه إنسان غريب، من الأطباء وهم يفحصونه بلا أمل، ومن العبوس الدائم، وكان كل شيء يمر أمامه في حركه دائمة.. أحيانا بطيئة وأحيانا مسرعة.. لكنها بدون صوت ، ليس كفيلم صامت يراه من مقعد متفرج.. فالفيلم الصامت يمكن أن يفهمه، وان يتعاطف مع بطله، لكنه لم يعد يفهم شيئا.. ولا يتعاطف مع شيء.. حتى وحدته لم يتعاطف معها، كرهها وشعر بثقلها الضاغط كجبل جاثم على صدره، يخنقه ويسحقه
في مخبأه الداخلي المؤسس بحساسياته وأفكاره الخاصة، وجد في ذاكرته المعين يتذكر كل يوم يمضى، وكل يوم يلعب فيه مع الآخرين، وأصوات الطبيعة قبل الصمت، وفى أوقات الحنين كان يخرج إلى الشارع ليرى زملاءه وهم يلعبون ويختلفون ويتشاجرون… وكان يمكنه أيضا أن يرى الدواجن تسعى لالتقاط الغذاء من التراب، والنساء وهم يجلسون أمام البيوت
ذات يوم ابتعد من أمام البيت متلمساً طريقه بجوار الجدران خائفاً من سيارات الطريق.. وذهب قاصداً الحديقة القريبة من حيه.. هناك افترش العشب وأخذ يتأمل الجالسين، والعصافير الصغيرة التي تتجمع حول الماء والشجر الذي شده إليه ليسير متوارياً خلفه.. وأسعده ذلك.. أسعده أن يكون وراء الشجر مختفياً عن الأنظار حيث السكون والصمت الذي لا تقطعه سوى أنغام الطبيعة.. هدوء يشبه العالم عندما ينظر إليه من خلال ظلام السماء… وعندما حاول الصعود إلى إحدى الأشجار وسقط، تألم.. لكن لم يشعر أحد بألمه أو يراه وهو يسقط.. كان دائماً وحيداً.. لم يعد يشاركه أحد شيئاً مطلقاً، حتـى والدته أصبــحت منهمكة في العمل، في البيت وخارج البيت لتعيله هو وأخوته، وكل يوم تبتعد عنه أكثر، وكثيرا ما يرى على وجهها إرهاقاً وكآبة ولـم يعد يراها بشوشة إلا نادراً.. استطاع أخيراً أن يصعد إلى إحدى الأشجار.. ومن بين الفروع، شعر بأنه مخفي تماماً، في مخبأ جميل وعال، يمكنه أن يرى منه كل شيء، ولا أحد يراه، ومن مخبـئه شعر بالرياح البـاردة وهــى تمر مــن بين الأغصان, وأشعة الشمس الدافئة وهــى تنفذ بخطوط رفيـعة من بين الأوراق، وعندما رفع رأسه لتلقي الأشعة بعينيه، كان يمكنه رؤية بعض السحب الثقيلة وهي تمر من تحت السماء، مؤذنة بقدوم شتاء طـويل لا يكاد ينـتهي.
أدرك فجأة ما حدث له، وانه أصبح مختلفاً، انتابه قلق غامض، هبط من الشجرة وذهب إلى أمه.. قال :
هل سأظل وحيدا دائماً يا أمي ؟
انفجرت أمه باكية وهى تضمه لصدرها
اطمأن عندما شعر بأن أمه تحبه.
سعيد رمضان على، إسكندرية، مصر
عمل في شمال سيناء، زار غزة عدة مرات ثم أقام فيها عدة سنوات وحاليا مقيم في الإسكندرية.
أصيب بالصمم في سن مبكرة، كان من أثره تركه الدراسة المنتظمة، فلم يستكمل تعليمه النظامي، لكنه استمر في الدراسات الحرة.
الأعمال والتكريم
- روح هائمة، رواية، دار نشر ميدلايت 1990، القاهرة.
- الأرض والنهر، مجموعة قصصية، دار نشر ميدلايت 1991، القاهرة.
- السينما المصرية والإعاقة، دراسة 2005، مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- سيناء (الأهمية والمعنى) الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة 2008، القاهرة.
- رواية أمواج ورمال، دار نشر فكرة. 2009، القاهرة.
- مسرحية الانهيارات، دار نشر هفن، 2009، القاهرة.
- السمورة وأنا، سيرة روائية، دار الأدهم للنشر، 2013، القاهرة.
- مقالات نقدية في الأدب والسينما والفن التشكيلي الفلسطيني، نشرت في مجلة الثقافة الجديدة، وعلى عدة مواقع مختلفة.
- كرم من الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر في مؤتمر الإسماعيلية الأدبي عام 1995.
- حصل على شهادات تقدير من المجلس الأعلى للشباب والرياضة بمصر في مركز إعداد القادة بالقاهرة عن أعماله في القصة القصيرة، والمسرح وذلك عامي 1995، 1996.
- كرمته الشيخة جميلة بنت محمد القاسمي مدير عام مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية 2005 في ملتقى المنال عن دراسته (السينما المصرية والإعاقة)
- استضافه المؤتمر العلمي الأول حول قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة بالقاهرة عام 2009.
نقد ودراسات عنه
دراسة عن روايته روح هائمة للناقد محمد قطب نشرت في كتاب مؤتمر إقليم القناة وسيناء الثقافي 1995.
دراسة عن مجموعته القصصية (الأرض والنهر) للناقد الدكتور محمد حسن عبد الله نشرت في كتاب مؤتمر إقليم القناة وسيناء الثقافي عام 1995.
دراسة عن مسرحيته الانهيارات للدكتور نادر عبد الخالق بعنوان البناء والتخطيط في مسرحية الانهيارات نشرت في جريدة الزمان مايو، 2019.
دراسة عن مسرحيته الانهيارات للناقد العراقي صباح الأنباري بعنوان (الانهيارات من بداية السقوط حتى نهاية الهزيمة) نشرت على موقع الناقد على النت.
دراسة في مجموعته الصمت للناقد سيد الوكيل، نشرت في كتاب أبحاث المؤتمر العلمي الأول، هيئة قصور الثقافة 2009، القاهرة.
دراسة عن رواية أمواج ورمال للناقد حاتم عبد الهادي نشرت في نشرة مؤتمر اليوم الواحد بالشرقية.
مقالات نقدية عن بعض قصصه القصيرة للناقد سمير الفيل نشرت بموقع القصة العربية.