بقلم فادي محمد الدحدوح
يمكن القول إن البحث العلمي هو العنصر الأهم من نتاج وجود الجامعات.
وقد أدركت المؤسسات التربوية الحاضنة للعلم والمعرفة، والجامعات الرائدة أهمية البحث العلمي في عالم متغير وسريع عاصف بالأزمات المتنامية.
وتستطيع من خلال منظومة شاملة في البحث العلمي أن تواكب التطورات التي تنشأ في بيئة الأعمال وتواجه الأزمات والتحديات التي تعصف بمكونات المؤسسات والمجتمع.
يعتبر الاهتمام بالبحث العلمي والتوجه نحو التركيز على اعتناقه ضمن مكونات العمل الاستراتيجي للمؤسسات أبرز ملامح ومعالم الفكر المعاصر إذ أن تقدم الأمم والدول يقاس بمدى التقدم البحثي فيها والذي يُعد واحداً من أهم نتائج تطوير الدراسات العليا التي تمثل بدورها المورد الأهم للبحث العلمي حيث الأسلوب المثالي لتكوين وصناعة العلماء والباحثين والمفكرين.
ويأتي تطوير البحث العلمي والاهتمام به على قائمة الاستراتيجيات ذات الأهمية الكبيرة نظراً لارتباط ذلك بالتنمية الشاملة في المجالات المختلفة إلى جانب توظيفه في حل المشكلات المطروحة أمام المؤسسات وظروف المجتمع وأحوال الأمم.
من هذا المنطلق ينعكس الاهتمام الكبير بالبحث العلمي بصورة إيجابية على مكونات المجتمع بشكل متكامل، وأصبح بالنسبة للجامعات والمجتمعات حاجة ملحة لا سيما خلال السنوات الأخيرة، وبالتالي غدت مشاركة البحث العلمي في مواجهة المشكلات الخاصة بالتنمية والتصدي للأزمات المختلفة أولوية قصوى لدى صناع القرار، بالإضافة إلى العمل على إنتاج كوادر علمية تخدم قضايا التنمية والعمل على إحداث نقلة نوعية في الدراسات المختلفة تكون محوراً ومرتكزاً أساسياً للتقدم وتعزيز التنمية وتحقيق النهضة.
تهتم الدول المتقدمة بالبحث العلمي وتخصه بالأولوية ضمن خططها التنموية، كما تخصص نسبة كبيرة من دخلها القومي لتمويل البحث العلمي في الجامعات ومراكز الأبحاث التي تعتبر الحاضنة المركزية للإبداع والابتكار.
إن ما تخصصه الدول المتقدمة للبحث العلمي بالنسبة لدخلها القومي كبير جداً، كما أن المتتبع للتطور الذي حققته دول جنوب وشرق آسيا يرى أن اهتمامها بالبحث العلمي هو المحرك الرئيس لهذا التطور إذ أولت هذه الدول أهمية متزايدة للبحوث والتطوير والابتكار.
إن تجربة دول مثل كوريا الجنوبية وماليزيا خير مثال على الدراسة والتخطيط السليم في هذا المجال، فبفضل السياسة البحثية العلمية والتقنية، حققت هذه الدول إنجازات مهمة ومتقدمة عالمياً، بالإضافة إلى تقدير الجهود الوطنية للتنمية الصناعية والمنافسة على المستوى العالمي في المشاريع البحثية المستقبلية.
اليوم وفي ظل جائحة كورونا تزداد المسؤوليات على جامعاتنا العربية كي نتعلم الدرس جيداً من خلال العمل وفق منظومة فاعلة، وتطوير النظرة الاستشرافية نحو المستقبل عبر الاهتمام الكبير بدور البحث العلمي ونقل التقنية الحديثة إلى الجامعات العربية وتوطينها وتلبية حاجات المجتمع والتحول نحو مجتمع بحثي رائد وتوحيد الجهود بين الجامعات العربية والمراكز البحثية في الشراكات المحلية والعالمية لخدمة المجتمع المعرفي ونشر ثقافة البحث العلمي في المجتمع العربي، والاستثمار في صناعة وتطوير المعرفة، بالإضافة إلى توفير البيئة المناسبة لإجراء الأبحاث العلمية المجدية وتوفير فرص الاستثمار المتنوعة، إلى جانب جذب الاستثمارات لدعم الأهداف الاستراتيجية وخدمة الاقتصاد الوطني.
سيسهم ذلك في تحول الجامعات العربية والمجتمع العربي إلى مجتمع معرفي متكامل يحقق مزيداً من الاهتمام بالعلم والأبحاث، ويثمن الدور الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات العلمية من أجل الاستفادة منها في التطبيقات الصناعية والتجارية، كما يهدف إلى المساهمة الفعالة في تطوير اقتصاد المعرفة، عبر تعزيز الشراكة بين المؤسسات التعليمية ومجتمع الأعمال والاستثمار على أسس تجارية، من خلال الاستثمار في المشاريع المشتركة التي تصقل الخبرات والتطبيق العملي لطلبة الجامعات وأساتذتها.
الظروف مواتية للاهتمام أكثر بالبحث العلمي والانطلاق نحو فجر جديد وعالم آخر مختلف، والانتقال إلى صفوف البلاد المتقدمة التي اعتنقت البحث العلمي من خلال رؤية مستقبلية واضحة، ولديها إيمان بأهمية العلم والمعرفة، وتمتلك ثقة بقدرتها على تحقيق خططها، ولديها الاستعداد الكامل والرغبة الحقيقية للاستفادة من عقول أبنائها ومهاراتهم، وإعطاء الأولوية للتنمية العلمية التي أصبحت بالضرورة الدعامة الأساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، بدلاً من الدوران حول الذات وتكرار ما ينتجه الآخرون.
فالجامعات والمراكز البحثية العربية بحاجة ماسة لأن تقوم بتقييم واقع البحث العلمي ومدى مساهمته في التنمية، فبدون تقدم علمي لن تكون هناك تنمية قوية، فالأبحاث والدراسات العلمية لا تنحصر في مجال الاختراعات ومجالي العلوم والهندسة، بل تشمل جميع المجالات العلمية بما فيها الاقتصاد والإدارة والاجتماع، ولتحقيق ذلك يجب تشكيل هيئة عليا للبحث العلمي ترعى تحقيق هذا الهدف، وتنسج منظومة عمل متكاملة لتطوير وتعميق البحث العلمي في مؤسساتنا عبر استراتيجية وطنية وخطط فاعلة، ومن ثم وضع الخطط الدقيقة لإحداث قفزات كمية ونوعية في مجال البحث العلمي حتى نصنع حضارة مشرقة.
- مكان الإقامة: غزة – فلسطين
- رقم التواصل: 00970598283195
- البريد الالكتروني : [email protected]
- باحث فلسطيني من غزة
- خبير في البحث العلمي والدراسات
- أستاذ جامعي
- مؤلف في مناهج البحث العلمي
- ناشط ولديه مساهمات في العديد من المجلات والشبكات الالكترونية العربية