بقلم فادي محمد الدحدوح
إن تحقيق الأهداف التربوية في المجتمعات يصل بنا إلى الإنسان الأخلاقي الذي يحقق الغاية السامية للبناء والنهضة.
من أجل ذلك لا بد أن ترتكز تلك الأهداف التربوية على نسق متين من القيم يتوخى فيها الشمول والتكامل، فتتكامل ضمنه النواحي العقدية، مع النواحي المنهجية، وهذه مع النواحي الأخلاقية لإعداد الإنسان الأخلاقي على وعي وبصيرة، وفق الينابيع الدينية الصافية.
ولا شك أن طبيعة البناء الثقافي، والنسق القيمي هي التي تحدد استجابة الإنسان لهذه المنظومة، فإن كانت تركز على أبعاد بعينها من الكيان البشري، فإن النقص لا محالة لاحق بتلك النفس، وإن كان الإطار الثقافي متكاملاً وغنيًا بالقيم التربوية التي تمس الكيان الإنساني بأكمله سوف ينعكس ذلك على الإنسان كمالاً وتوازنًا يدفعه للقيام بوظيفته الحضارية.
ومن المؤكد أن الثقافة الإسلامية الصحيحة هي الأجدر والأكمل والأمثل القادرة على الإشباع لكل حاجات وأشواق الإنسان، لأنها صادرة عن خالق الإنسان الذي يعلم من خلق.
إن العطاء الذي قدمته الحضارة الإسلامية للإنسانية خير دليل على ذلك، فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد جبل الإنسان بفطرة تؤهله للتشكل وفق الأهداف الخيرة، وقابلية السير في خطها المستقيم، فإن القيم التربوية الإسلامية تكون على أساس المفاهيم والمعاني التي يولد الإنسان بموجبها ولادة ربانية، ويعيش في ظلال طاعة الله، وحمل النفس على تنفيذ مراده في هذا الكون وتحقيق الغاية السامية.
ومن المؤكد أن الهدف الذي تسعي إليه القيم التربوية الإسلامية هو إحداث وإنشاء هيئة راسخة في نفس الإنسان، بحيث تتجه به نحو العمل الصالح، الذي يشمل كل مكارم الأخلاق، وربما يظهر في بعض الأحيان أن بعض النظم التربوية تضم قيمًا شبيهة بقيم الإسلام، إلا أنها تفتقد الشمول والتكامل والثبات، والقابلية للتطبيق على أرض الواقع ويغلب عليها الجانب النظري لأنها من صنع الإنسان.
ولا أجد أجمل بلاغة في نقل المعنى الشمولي للمراد من قول الإمام الشاطبي بأن كليات الشريعة من العدل، والرفق، وسلامة النفوس والأعراض والأموال، وحفظ الدين، والعقل، فإنها لا تتغير، إذ هي الأصول التي بني عليها الدين، وبنيت عليها مصالح الدنيا، ومن ثمة فإنها باقية ما بقي الناس على هذه الأرض، وعليه فحفظ تلك المقاصد لا يتم إلا من خلال تشبع الأفراد بمنظومة من القيم تتصف بالكمال، ويتجلى ذلك بأبهى وأتم صوره في النظام القيمي الإسلامي الذي هو قوام النظام التربوي في الإسلام، وهذا النظام القيمي هو الذي يتشكل منه النظام الاجتماعي الذي يرتبط ارتباطًا كبيرًا بطبيعة التصور الاعتقادي.
إن دراسة فاحصة معمقة للإنسان في ظل عصر النبوة، والعصور الزاهية التي عرفتها الحضارة الإسلامية، تؤكد أن الجيل القرآني الذي تربي في رحاب مدرسة النبوة أعطى البرهان الكامل على الثبات أمام مطامع الدنيا، فكانوا قمماً في العطاء والتضحية، وفي الإخلاص، ونكران الذات، والتعاون، وغيرها من المثل العليا وهذا التجسيد للقيم ظل مستمرًا عبر عصور التاريخ الإسلامي على تفاوت فيما بينها في الإشعاع والتألق، بمقدار ما كانت تتفاوت في الاقتراب من النبع الصافي لمدرسة النبوة والاغتراف من خيراته وكنوزه.
ومن المؤكد أن من أعظم ثمار القيم التربوية الإسلامية في البناء الشخصي للإنسان أنها تترك أثرها الواضح في عقل الإنسان المسلم، لأن القرآن الكريم ومعطياته في مجال العقيدة، والتشريع والسلوك تمثل نسقًا من المعطيات المعرفية كفيلة بأن تغني عقل الإنسان، وتتمي طاقاته حتى يولد لديه التشوق المعرفي لكل ما يحيط به من مظاهر الكون، وتحديد دوره ووظيفته في هذا الكون، فالإنسان في العقيدة الإسلامية طاقة حيوية مؤثرة، وهذا ما يفسر لنا ذلك الانطلاق الهائل الذي حققه المسلم في كل ميدان من ميادين الحياة العلمية.
وهكذا يتضح لنا أثر البناء الذي تتركه القيم التربوية الإسلامية في الشخصية، بحيث تصوغها صياغة متينة، وتمس كل موطن من مواطنها، حتى ينخرط الإنسان بكل كيانه وطاقاته في تحقيق النهضة البشرية، وخلاصة القول إن القيم التربوية المرتبطة بالدين هي التي تؤدي إلى تحقيق غاية الإنسان وإسعاده في هذه الحياة، وخلاف ذلك، فإنها لا تحقق الغاية المنشودة، بل تؤدي إلى انهيار متسارع في المنظومة المجتمعية والحضارية.
- مكان الإقامة: غزة – فلسطين
- رقم التواصل: 00970598283195
- البريد الالكتروني : [email protected]
- باحث فلسطيني من غزة
- خبير في البحث العلمي والدراسات
- أستاذ جامعي
- مؤلف في مناهج البحث العلمي
- ناشط ولديه مساهمات في العديد من المجلات والشبكات الالكترونية العربية