إعداد نورا الشرابي
غالباً ما يكون الخروج عن المألوف والموروث والمعتاد (الفوضى) هو أساس الإبداع، إذ أن “الفوضى” أصبحت مصطلحاً يكثر استعماله في مناح كثيرة، لكن ما يهمّنا هنا هو “الفوضى المبدعة”، وأقصد بكلامي التجاوب مع الميل الذي يُخلق مع كل طفل، وينحو به تجاه الخروج عن المألوف وتجريب كل شيء.
في داخل كل طفل فضول لا نهائي وحب للتجربة، والذي قد يبدو للمراقب بأنه فوضى وانحراف عن المألوف، إلا أنه هو الأساس المكين للإبداع، وانطلاقاً منه خرجت بعض العلوم الآن التي تدعو إلى ضرورة إعطاء مساحة من الفوضى للأطفال مما قد يؤدي إلى تحريض شعلة الإبداع لديهم.
هذه البيئة تضع الطفل في مواقف معينة عليه من خلالها أن يجد حلولاً لما يواجهه في خضم هذه الفوضى وهنا يخرج المارد من القمقم.
من المحزن أن معظمنا لا يسمح للطفل بهذا الهامش من الفوضى مما قد يقتل الإبداع في مهده.
من ناحية أخرى، تسير هذه الفوضى المبدعة كتفاً بكتف مع وجود الطفل مع أطفال آخرين.
فيمكننا تصور غرفة مليئة بالطلاب الصغار وفيها كل ما نتخيله من أدوات إبداع وهم يتنافسون بينهم في طرح الآراء وتقديم المقترحات لمشاريع إبداعية فتتعالى الأصوات.
قد يبدو للناظر أن هذه فوضى تخالف الآراء التقليدية في ضرورة انضباط الطلاب داخل الصفوف، لكن في الحقيقة هذه المساحة المعطاة لهم سوف تحفز حتماً الإبداع لديهم وتعطيهم ثقة في أنفسهم.
هنا لا أرى مناصاً من ذكر الملهيات من الأجهزة الذكية التي أخذت معظم الأطفال بعيداً عن الإبداع وعن اكتشاف ما قد يبرعون فيه، فقد يلاحظ معظمنا أن الطفل الذي ينشأ في بيئة تكثر فيها المساحات وتقل فيها الملهيات، كالصحراء والريف (بعكس المدينة)، غالباً ما يطور أدواته الإبداعية وتجربته الحياتية وجذوة الاستكشاف لديه كي يملأ وقته الممتد الخالي من الملهيات ويعزز شعوره باللهو واللعب.
ومن العوامل التي تساعد الآباء على تشجيع أطفالهم على الإبداع أمور من أهمها:
- تخصيص مكان في البيت للطفل وتزويده بكل ما يمكن أن يشعل شرارة الإبداع لديه كأدوات الرسم والمعجون وبعض الأدوات الموسيقية والأوراق وقطع “الليغو” وغيرها.
- إعطاء الطفل نماذج بسيطة؛ لأنه أمام كل تلك الأدوات قد لا يدري ماذا يفعل، ويمكن بعدها الانسحاب كي يمارس الطفل إبداعاته الخاصة.
- يتوطد الإبداع بإشراك كل حواس الطفل، وعليه يجب أن يختبر الطفل الأشياء بحواسه كلها كالنظر والسمع واللمس وهذا قد يتطلب زيارات ميدانية لأماكن مثل المكتبة العامة والملاعب وحدائق الحيوان والمتاحف والمراكز العلمية.
- إيجاد أوقات فراغ لتعزيز الإبداع لدى الطفل، فأحياناً قد تكون برامج الطفل اليومية بين المدرسة والواجبات والأمور العائلية مستهلِكة لمعظم اليوم، لذا لابد من إيجاد الوقت الكافي لممارسة الأمور الأخرى كالرياضة والرسم والإبداع بأنواعه.
- من المفضل عدم التدخل الزائد فيما يعمل عليه الطفل، لكن قد يكون هناك مشاريع مشتركة بين الآباء والأبناء وهذا يضفي متعة على العلاقة بينهم ويقويها.
- طرح بعض الأسئلة على الطفل، فالأسئلة هي طريقة رائعة في جعل الطفل يفكر ويتأمل فيما يقوم به؛ تركز هذه الأسئلة على المشروع الذي يعمل عليه الطفل ومنها:
- كيف خطرت لك فكرة هذا المشروع؟
- ما الشيء الذي ألهمك كي تقوم به؟
- ما هو الهدف منه؟
- ما الشيء الذي فاجأك بهذا المشروع؟
- ما هي أصعب مرحلة فيه؟
- ما هو الشيء الذي ستقوم به بشكل مختلف في المرة القادمة؟
- هل نتيجة المشروع هي ما كنت تخطط له؟
- معرفة شغف الطفل: ما هو الشيء الذي يحب أن يقوم به؟ ما هي اهتماماته؟ في أي مجال يتفوق؟ حاول أن تستكشف ما الذي يحبه طفلك ثم وجهه إليه واجلب الأدوات التي تساعده على الإبداع في هذا المجال.
- مشاركة الأطفال في التجارب الإبداعية التي قام بها الآباء يعزز الإبداع لديهم. وتبدأ المشاركة بالأفكار التي بدأت منها تجربة الآباء ثم بالعقبات التي واجهتهم وكيف تغلبوا عليها.
هنا لابد أن نُعرِّجَ على موضوع مهم جداً.
فبالقدر الذي نوليه للمدرسة من الأهمية في تعليم الطفل والوصول به إلى مصاف متميزة من الدرجات العلمية، فإن المدرسة قد تكون في الوقت نفسه عاملاً مثبطاً للإبداع إذ أنها تنتج نماذج متماثلة من الطلاب دون التمييز بينهم فيما قد يبرعون فيه ودون دعم الإبداعات لديهم.
وربما ذهب البعض إلى أن المدرسة قد تقتل الإبداع ومنهم كينيث روبنسون Sir Kenneth Robinson FRSA (fellows of the Royal Society of Arts) والذي ناقش على منصة تيد هذا المفهوم.
فالمدرسة برأيه هي قالب نَصُبُّ فيه المعلومات لتشكيل عقول متساوية وهذا مخالف للإبداع، فالإبداع قائم على التباين والتفاوت الذي كُرِّم به الإنسان منذ طفولته.
طبعاً هناك مدارس تخرج من هذا الإطار وتشجع الإبداع لدى الأطفال، لكن في حال عدم توفر ذلك فأنا أشجع الآباء على تلقف المبادرة وفسح المجال أمام أطفالهم لإظهار مواهبهم تجنباً لقص أجنحة الإبداع في مهدها قبل أن تطير وتسمو بهم.
وأخيراً، فإن الإبداع هو عمل دؤوب، فوضوي أحياناً، ومحبط في بعض الأوقات, إلا أنه يتطلب احتواءً لهذه “الفوضى” وهو يتغذى على الإلهام ويستمد وقوده من المشاركة.
الإبداع هو مفتاح المستقبل وهو الصفة الإنسانية الأساسية التي تضمن سيطرة الإنسان في عالم تتحكم فيه الآلات.
يُقال إن الإبداع عنصر أساسي في التعليم لكننا لن نستطيع أن نجعله كذلك ما لم نزود أطفالنا بالفرص التي تسمح لهم بالسباحة بمهارة في مائه.

إجازة في الصيدلة.
كاتبة ومؤلفة .
الكتب المنشورة:
- سلسلة الكلمات المتقاطعة – دار الفكر للطباعة والنشر – دمشق ، سوريا –1997
- دليل الأم في الإرضاع من الثدي – دار الفكر للطباعة والنشر – دمشق ، سوريا –2002
- التعابير العامية الدارجة في اللغة الإنكليزية (الأميركية)-دار الفكر للطباعة والنشر-دمشق-سوريا-2005
- هكذا نقيد الأجيال-دار الفكر للطباعة والنشر-دمشق-سوريا-2010
- أوراق خريفية – دار الفكر للطباعة والنشر- دمشق- سوريا- 2013
- المشاركة في كتابة نص مسرحية بعنوان “وين ندق المسمار” ، عرضت في ثلاث ولايات أميركية أوهايو – تكساس – ولوس أنجلوس –
من المقالات التي نشرت لها:
- مقالة “الرحم.. أول مدرسة في التاريخ” مجلة الراشد العدد الثاني والعشرون، تاريخ نيسان 2003.–دبي ، الإمارات العربية المتحدة .
- مقالة “غريبان تحت سقف واحد” – مجلة مودة ، العدد 26 كانون أول 2003– أبو ظبي ، الإمارات العربية المتحدة
- مقالة “الطفل في المطبخ عود ثقاب متحرك”- مجلة راشد، العدد 24 ديسمبر 2003
- مداخلة تحليلية لتحقيق بعنوان ” نساء يصرخن: لا للوظيفة نعم للبيت- مجلة زهرة الخليج، العدد1334 تشرين أول 2004
- مقالة ” دور الفرد في خلق التوازن النفسي الأسري- مجلة المجتمع العدد الرابع، أغسطس 2004
- ملف التسالي في مجلة أنت – قطر
- ملف التسالي في مجلة ولدي – الكويت
- للروح نصيب – مجلة المنال الإلكترونية – العدد مايو 2019 – الشارقة – الإمارات
- من هي المرأة الجميلة حقا؟ – مجلة المنال الإلكترونية – العدد ابريل 2019 – الشارقة -الإمارات العربية المتحدة.
- ملف التسالي في مجلة مرامي
- مسؤولة سابقة عن ملف التسالي لعدة مجلات إماراتية: الجزيرة الرياضية – همسات- مودة- راشد
- البوصلة الإنسانية ما بعد كورونا – مجلة المنال الإلكترونية – العدد ديسمبر 2020
- مهن السراء والضراء – مجلة المنال الإلكترونية – العدد مارس 2021
- الأشخاص ذوو الإعاقة وسوق العمل- مجلة المنال الإلكترونية- العدد مايو , 2022
شهادات تقدير وانجازات:
- مصنفة ضمن أدباء وأديبات القرن العشرين في سوريا ” أدب الأطفال وأدبائهم في سورية بالقرن العشرين ” – دار شهرزاد للنشر – دكتور مهيار الملوحي – دمشق – سوريا – 2004
- مؤسسة ورئيسة سابقة لرابطة الفنانات المسلمات والتي أدرجت في بحث أكاديمي بعنوان:
Muslim Women Visual Artists’ Online Organizations: A Study of IMAN and MWIA
رابط البحث
- شهادة تقدير من مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية
المقابلات الإعلامية :
- مقابلة صحفية مع صحيفة أوكلاند برس الأميركية في ولاية ميتشيغان بقلم هوزيه هواريز – كانون أول – 1997
- مقابلة صحفية مع صحيفة أوكلاند برس الأميركية في ولاية ميتشيغان بعنوان “للزوجين ، الإسلام هو الحياة” بقلم دوج بومان -كانون أول – 1997
- مقابلة في جريدة خليج تايمز (Khaliij times) – “Authoring Success Stories”- By Anu Prabhakar, Published: Fri 8 May 2009 https://www.khaleejtimes.com/article/authoring-success-stories
أعمال إضافية :
- إعداد 240 ساعة إذاعية لبرنامج “راديو إي أو إف” . على محطة WNZK 680 AM في ولاية ميتشيغان الأميركية 1998-1999.