دور العلاج الوظيفي مع الأطفال ذوي الاعتلال البصري من سنِّ الولادة إلى سنِّ الخامسة
إعداد سناء عبادي، اختصاصي علاج طبيعي أول
مركز العلاج الطبيعي والوظيفي في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية
يعتبر النمو في المراحل العمرية المبكرة أسرع بكثير من النمو في المراحل الأخرى، إذ تعتبر السنوات الأولى من العمر فترات حرجة لا بد من العمل على تلبية حاجات الطفل فيها وإلا أصبحت سنوات حرمان يصعب تعويضها فيما بعد. وبناءً عليه، يحرص اختصاصي العلاج الوظيفي على تقديم خدمات الدعم للأطفال من ذوي الاعتلال البصري وأسرهم في سن مبكرة للحيلولة دون تفاقم أثر الاعتلال على الأطفال وأسرهم جنباً إلى جنب مع فريق متعدد التخصصات.
تتراوح الصعوبة في الرؤية بين خفيفة ومعتدلة وحادة. وعندما تكون الرؤية لدى الطفل قليلة أو معدومة فإننا نقول إنه كفيف أو مكفوف. ويكون بعض الأطفال مكفوفين كلياً لا يرون شيئاً. ولكن معظم الأطفال المكفوفين يمكنهم أن يروا قليلاً. بعضهم لا يستطيع أن يميز إلا الفارق بين العتمة والضوء أو بين النهار والليل، ولا يرى أي شكل للأشياء. وبعضهم الآخر يستطيع رؤية أشكال الأجسام الكبيرة دون تفاصيلها.
وهناك أطفال غير مكفوفين ولكنهم يعانون من مشكلة أو صعوبة في رؤية الأشياء بوضوح. على سبيل المثال، قد يرى هؤلاء بشكل جيد معظم ما يدور حولهم ولكنهم يجدون صعوبة في رؤية التفاصيل. وقد لا تكتشف العائلة أن الطفل يعاني من مشكلة في الرؤية حتى تلاحظ -مثلاً- أن الابنة لا تستطيع إدخال الخيط في ثقب الإبرة أو قراءة الحروف على اللوح في المدرسة. وغالباً ما يتمكن هؤلاء الأطفال من الرؤية بشكل أفضل باستعمالهم النظارات الطبية أو عدسات التكبير. (الأطفال المكفوفون كلياً لا يرون ولو استعملوا نظارات طبية). ويولد بعض الأطفال مكفوفين، ولكن آخرين يفقدون البصر في طفولتهم المبكرة، أو فيما بعد.
ملاحظة مهمة: لا تبدو كل عيون الأطفال المكفوفين مختلفة في مظهرها. فقد تبدو عيونهم واضحة وطبيعية. وقد يكون التلف خلف العينين أو في جزء من الدماغ. ولذلك، تأكد من البحث عن علامات أخرى تدلك على ما إذا كان الطفل يعاني صعوبة في الرؤية.
كذلك يعاني الأطفال المصابون بالشلل الدماغي أو بإعاقات أخرى من فقدان البصر جزئياً أو كلياً. وقد لا يلاحظ الأهل الأمر ويعتقدون أن التطور البطيء للطفل أو نقص اهتمامه بالأشياء ناجم عن كونه من الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية والجسدية. والواقع أن ضعف البصر قد يشكل جزءاً كبيراً من السبب.
وحتى لو لم يكن الطفل مصاباً بإعاقة أخرى، فإن فقدان البصر قد يجعل نمو المهارات الحركية الكبرى والصغرى بطيئاً وصعباً، وهنا يأتي دور اختصاصي العلاج الوظيفي وباقي أعضاء الفريق في تطوير مهارات الاستقلالية لدى الأطفال ذوي الاعتلال البصري.
يعمل اختصاصي العلاج الوظيفي بشكل أساسي على تطوير قدرة الطفل على استعمال حاستي السمع واللمس من خلال التدريب على الاستقلالية بالحركة، أنشطة الحياة اليومية، الاتجاهات وتقدير المسافات واستعمال البصر المتبقي.
ويمكن للمعالج الوظيفي استخدام نهج التكامل الحسي، والذي يهدف إلى تنظيم المعلومات الحسية ليقوم الدماغ بتفسيرها، مما يؤدي إلى ظهور سلوكيات وظيفية منظمة.
يهدف العلاج الوظيفي إلى مساعدة الأطفال الذين تم تشخيصهم بالشلل الدماغي إلى تحقيق الاستقلالية من خلال أنشطة الحياة اليومية ويشمل ذلك على سبيل الحصر الاعتناء بالذات /التنظيف /التنقل /التعليم /اللعب والمهارات الحركية والإدراكية. يستخدم اختصاصيو العلاج الوظيفي في علاج الأطفال الذين تم تشخيصهم بالشلل الدماغي عادة الإشارات اللمسية والبصرية لتحفيز الحركة وتشجيع الطفل على استكشاف البيئة. ومع ذلك، يعد استخدام الإشارات البصرية صعبًا أو حتى مستحيلاً عندما تكون الرؤية متضررة وهذا يعني أنه يجب إضافة وسائل أخرى لعلاج الأطفال الذين يعانون من شلل دماغي وضعف في الرؤية.
يجب أن يكون الهدف النهائي هو تحسين جودة الحياة وتيسير المشاركة في مجالات الأداء المهني وخاصة في عملية” اللعب”
يركز اختصاصي العلاج الوظيفي على تدريب الأسر في عملية تأهيل الأطفال من ذوي الإعاقة البصرية كونها الشريك الأساسي والأهم في عملية التأهيل خاصة للأطفال حديثي الولادة لغاية 3 سنوات ثم يبدأ التركيز على تدريب المعلمة التي تتعامل مع الطفل من عمر 3 إلى 5 سنوات في حال كان الطفل مسجلاً في الحضانة أو الروضة. لذلك لا بد من توفر عدد من الشروط الخاصة باختيار اختصاصي العلاج الوظيفي أهمها أن يتوفر لدى الاختصاصي المدرب التأهيل الكافي للعمل مع الأطفال ذوي الاعتلال البصري والتأهيل في مجال التدخل المبكر أو في مجال الطفولة المبكرة.
المهارات الأساسية التي يركز العلاج الوظيفي عليها لتحقيق الاستقلالية:
التحفيز الحسي:
يحتاج الطفل الكفيف كغيره من الأطفال إلى التعرف على أفراد عائلته والأشياء الأخرى ولكن باستخدام اللمس والصوت والرائحة والطعم بدل العينين.
نعمل من خلال اللعب على اكتساب المهارات المختلفة ويستحسن استخدام الدمى والأشكال المتباينة بوضوح فيما بينها وذات الملمس المختلف والصوت المختلف.
التدريب على التنقل والحركة:
مساعدة الكفيف على تعلم التنقل لأنه كثيراً ما يكون الطفل الكفيف بطيئاً في تعلم التنقل ويحتاج إلى المزيد من المساعدة والتشجيع وفيما يلي اقتراحات خاصة بحبو الطفل وزحفه ووقوفه ومشيه.
- عندما يبدأ الطفل بالانطلاق والزحف يوصي اختصاصي لعلاج الوظيفي بتوفير ألعاب ذات أصوات تحفيزية حوله تشجع الطفل على الاستكشاف.
- نخترع ألعاباً ونمارس بعض التمارين التي تساعد الطفل على اكتساب الثقة بحركته واستخدام جسمه كتدويره ووضعه على الأرجوحة لتحفيز جهاز التوازن.
- وعندما يبدأ الطفل بالمشي نحاول أن نبقي كل شيء في مكانه كي لا يصطدم بالأشياء بشكل غير متوقع فيتمكن من اكتساب المزيد من الثقة بحركته. وإذا غيرنا مكان شيء معين فعلينا أن ندله على مكانه الجديد.
نشجع الطفل على المغامرة والاستكشاف وممارسة كل الأشياء التي يمارسها الأطفال عادة. علينا أن نحمي الطفل ذا الاعتلال البصري من احتمال إيذاء نفسه ولكن دون مبالغة. ونتذكر أن كل طفل يقع عندما يتعلم المشي والطفل الكفيف كذلك.
مساعدة الطفل الكفيف في العثور على طريقه دون الإمساك بيده: يبدأ الطفل الكفيف بإمساك يدنا لنقوده خارج المنزل لأنه يخاف أن يخطو أو أن يحاول العثور على طريقة لوحده لذلك يعمل العلاج الوظيفي على الاعتماد على حاسة اللمس من أجل اكتشاف المحيط حيث يبين الاختصاصي العلامات الموجودة على الأرض حوله (أعمدة, أشجار, شجيرات, منازل) على امتداد الطريق.
التدريب على اكتشاف الاتجاه
الطفل المبصر يستخدم عينيه لاكتشاف موقعه, أما الطفل الكفيف فعليه الاعتماد على حواس أخرى يعمل العلاج الوظيفي على تطويرها وتحفيزها كالسمع واللمس والشم. ويمكن للطفل الكفيف أن يستعين بإنسان مبصر للتعود على موقع جديد بالطريقة التالية:
الحواس:
حاسة السمع: يعتبر السمع أمراً بالغ الأهمية بالنسبة للطفل الكفيف لأن الأصوات عبارة عن مفاتيح مهمة للتعرف على الأشياء والاتجاهات.
أنشطة لتطوير وتقوية حاسة السمع:
- استخدام ألعاب ذات أصوات معينة على بعد معين من جسم الطفل الكفيف ثم نبتعد بالتدريج كي يلتفت الطفل إلى الصوت في جميع أنحاء الغرفة مثل فتح وإغلاق الأبواب , تحريك الكرسي , ترتيب الطاولة , إيقاع كتاب على الأرض ثم نبدأ مع الطفل الكفيف تحديد موقع الصوت إما بتوجيه يده أو بالحركة تجاه الصوت.
- ندع كرة تقفز بين يدنا والأرض مرات عديدة ثم نطلب من الطفل الكفيف أن يحصي أو يعد قفزات الكرة.
- نطلب من الطفل الكفيف أن يحصي أو يذكر الأصوات التي يسمعها في الغرفة التي يتواجد فيها.
حاسة اللمس:
- من خلال التمييز بين الملامس المختلة (خشن/ناعم , يابس/طري , حار/بارد)
- التمييز بين أنواع القماش (حرير/قطن/صوف)
- مقارنة الاختلاف في الحجم والوزن والشكل (ثقيل/خفيف , صغير/كبير , مستدير/مربع/مثلث/مخروط/مكعب , إلخ……).
أنشطة لتطوير حاسة اللمس:
- اللعب بالطين والصلصال
- اللعب بالرمل
- اللعب بمعجون الحلاقة
حاسة الشم:
الروائح تساعد الأطفال من ذوي الإعاقة البصرية على تحديد المكان الذي يريدون التوجه إليه, ويساعد أيضاً في تحديد الأماكن التي عليهم تجنبها مثل حاوية النفايات.
أنشطة لتطوير حاسة الشم:
- التعرف على الأشياء من خلال روائحها (عطور/بهارات/صابون/دهان/معجون أسنان).
- التعرف على الفاكهة والخضار من روائحها.
الاتجاهات وتقدير المسافات:
- لا يفيد الطفل الكفيف أن تشير بإصبعك نحو الاتجاه أو أن تقول اذهب هناك فكلمة هناك تعبير عن اتجاه بصري لذلك يستعين اختصاصي العلاج الوظيفي باستخدام بعض الإشارات أو العلامات لتحديد الاتجاه. مثلاً , يتم عقد شريط على اليد اليمنى يساعده على تذكر أن هذه يده اليمنى وتلك هي اليسرى.
- تحسين القدرة على الاستدارة بنسبة 90 درجة ثم 180 درجة ثم الاستدارة بنسبة 360 درجة (كأن يستدير الشخص الكفيف دائرة كاملة حتى يستطيع التنقل)
- المسافة: كتقدير المسافات من خلال الاستماع إلى مصدر الصوت وأن يقدر المسافة بينه وبين هذا المصدر.
الاستقلالية خلال الأنشطة الحياتية اليومية
تشمل نشاطات الحياة اليومية مهارات العناية بالذات والمهارات المنزلية. يتعلم الأطفال هذه المهارات من خلال مشاهدة الأشخاص من حولهم ثم يتم التدريب عليها بالمساعدة إلى أن يستقل الطفل. أما الأطفال المكفوفون فلا يستطيعون مشاهدة هذه الأنشطة فقد يدركون بسمعهم أن شخصاً ما يكنس الأرض أو يغسل الصحون. لذلك يقوم اختصاصي العلاج الوظيفي بتدريب الطفل الكفيف على عدة مبادئ منها:
- وضع الأشياء في مكانها المحدد بنفسه كوضع الكؤوس والملاعق في أمكنتها.
- التمييز بين الأشكال والأحجام المختلفة بواسطة الأصابع من خلال اللعب بقطع التركيب مختلفة الأحجام عند عمل نمط معين.
- تدريب الطفل على حماية نفسه من الأشياء الخطيرة كالنار والسكاكين وغيرها ولا نكتفي بقول “لا” فحسب بل نساعده على أن يفهم الخطر.
نعطي الطفل الكفيف فرصة للبدء بالمساعدة في الأنشطة المنزلية كترتيب السرير وغيرها وهذا سيزيد من مهاراته ويعطيه إحساساً بأنه جزء من حياة العائلة وأعمالها.
- مهارات الاعتناء بالذات
الاستحمام: مهارة الاستحمام هي نفسها للمبصرين وفاقدي البصر. لا بد للطفل من التعرف على منطقة الاستحمام ومكان تعليق المنشفة والملابس وموقع وقوفه أو جلوسه في الحمام تحت “الدش”.
تنظيف الأسنان بالفرشاة: ربما تكون هذه المهارة صعبة خاصة عند تقدير كمية المعجون ووضعها على الفرشاة ولكن نستطيع تدريب الطفل على مسك الفرشاة بيد واحدة على أن يكون شعر الفرشاة بين السبابة والإبهام ثم نمسك أنبوب المعجون باليد الأخرى ونضع فوهة الأنبوب على شعر الفرشاة. نعتمد في هذه المهارة على حاسة اللمس والإحساس العميق باليدين. في النهاية نضغط الأنبوب برفق فوق شعر الفرشاة وتكون مهمة الإبهام والسبابة هي منع وقوع المعجون خارج الفرشاة ويمنح الطفل فرصة في تحسس كمية المعجون المطلوبة.
- التعرف على الثياب وارتداؤها: من خلال لمس المادة التي صنعت منها أو لمس بعض الرسوم والعلامات التي تخاط على قطعة الثياب ليتم التعرف عليها وهذا يعتمد على حاسة اللمس بالدرجة الأولى.
- تناول الطعام: من خلال التعرف على موقع الطعام على المائدة فإذا كان يوضع بنفس الموقع دائماً يسهل على الطفل التعرف على مكانه كوضع وعاء الأرز عن يمين الطبق الرئيسي وكوب الماء إلى يسار الطبق.
في الختام نستطيع القول إن اختصاصي العلاج الوظيفي ومقدم الرعاية يساعدان الأطفال من ذوي الاعتلال البصري على استكشاف البيئة المنزلية الداخلية والخارجية من خلال اللعب. على أن تكون البيئة آمنة تشجع الطفل على الاستكشاف والتعلم مع مراعاة عدم تغيير أو تحريك الأشياء من محيط الطفل. ومن الأنماط الشائعة في التدريب والاستكشاف: السمع, اللمس, التذوق, الشم, التوازن ودمج الحواس ,والبصر المتبقي.
المصادر والمراجع:
- برنامج فييزا VIISA للتدخل المبكر للأطفال ذوي الاعتلال البصري (المكفوفين وضعاف البصر) مرجع شامل وهام للأسر والعاملين مع الرضع وأطفال الحضانة وأطفال مرحلة ما قبل المدرسة ذوي الاعتلال البصري (الإعاقة البصرية) ترجمة وتعريب د. سهى عبد الرحيم طبال
- كف البصر وصعوبات الرؤية دليل مصور للأهل والعاملين مع الأطفال إعداد: سمر اليسير عن كتاب ديفيدورنر:”رعاية الأطفال المعوقين”-الطبعة العربية وكتاب ج و. كيرك هورتون: ” التأهيل المجتمعي لمكفوفي الريف”, ومصادر أخرى